تمهيد :
ظهرت عدة تيارات ومدارس في محاولة الاجابة على سؤال التراث ، عقب تلاقي الغرب والشرق وصدمة التأخر ، فظهرت التوجه التقليدي الأجنبي ،قاطعا كل علاقة له مع التراث ومتوجها نحو الغرب ، وظهر كرد فعل له التوجه التقليدي السلفي ، ليقدس التراث ويمنع الاقتراب منه ،في محاولة له للتمسك بهويته خوفا من فقدها في مواجهة هذا الاتجاه الذي جاء ليأخذ منه تراثه وهويته لصالح مستعمر ما جاء الى بلاده ، ثم ظهر الاتجاه التوفيقي لتحاول أن توفق بين المدرستين
التوجهات الثلاث الرئيسة
ظهرت عدة تيارات ومدارس في محاولة الاجابة على سؤال التراث ، عقب تلاقي الغرب والشرق وصدمة التأخر ، فظهرت التوجه التقليدي الأجنبي ،قاطعا كل علاقة له مع التراث ومتوجها نحو الغرب ، وظهر كرد فعل له التوجه التقليدي السلفي ، ليقدس التراث ويمنع الاقتراب منه ،في محاولة له للتمسك بهويته خوفا من فقدها في مواجهة هذا الاتجاه الذي جاء ليأخذ منه تراثه وهويته لصالح مستعمر ما جاء الى بلاده ، ثم ظهر الاتجاه التوفيقي لتحاول أن توفق بين المدرستين
التوجهات الثلاث الرئيسة
1- التوجه التقليدي
الأجنبي
حيث يدعو الى قطيعة مع التراث الذي أصابنا بالتخلف و اللحاق بركب الحداثة حيث
الغرب المتقدم ، "ولعل ما غاب عن هذا الاتجاه عدم قدرة النموذج الغربي على
النهوض بمقومات الأمة الاسلامية باعتبار مادية الأولى وروحانية الثانية....فاختلاف
الأسس التي يعتمد عليها الحل التقليدي الغربي عن مكونات المنطق الاسلامي تجعل هذا
الموقف غير سليم في تعامله مع المنظومة الغربية
"[1]
ويرى عبدالحميد أحمد أبو سليمان أن سر فشل منطق التقليد يرجع الى سنة الاختلاف الكائنة بين الامم، حيث أن لكل أمة تكوينها في قيمها وعقائدها ومفاهيمها ، ولها دوافعها ونفسيتها وتاريخها ، فاذا لم يتم التعامل معها بفهم كل تلك الجوانب والدوافع فان من الصعب تحريك مكامن القوة والكفاح والبناء فيها[2] .
ويرى عبدالحميد أحمد أبو سليمان أن سر فشل منطق التقليد يرجع الى سنة الاختلاف الكائنة بين الامم، حيث أن لكل أمة تكوينها في قيمها وعقائدها ومفاهيمها ، ولها دوافعها ونفسيتها وتاريخها ، فاذا لم يتم التعامل معها بفهم كل تلك الجوانب والدوافع فان من الصعب تحريك مكامن القوة والكفاح والبناء فيها[2] .
2- التوجه التقليدي التاريخي
وهذا الذي ظهر كرد فعل على الموقف المنادي بالتغريب الكامل ، فجاء حاد مثله رافض لكل ما هو أخر متمسك بكل ما هو أصيل ، لا يفرق بين المقدس وغير المقدس ، يقف كحارس امام كل التراث يمنع الاقتراب منه او محاولة تجديده "وهو يمثل مجموعة من الحلول المنقولة جوهريا من بطون التاريخ مع الغاء الأبعاد الزمنية "[3]
وهذا التوجه بحسب "برهان غليون " ينطلق من مبدأين :
وهذا الذي ظهر كرد فعل على الموقف المنادي بالتغريب الكامل ، فجاء حاد مثله رافض لكل ما هو أخر متمسك بكل ما هو أصيل ، لا يفرق بين المقدس وغير المقدس ، يقف كحارس امام كل التراث يمنع الاقتراب منه او محاولة تجديده "وهو يمثل مجموعة من الحلول المنقولة جوهريا من بطون التاريخ مع الغاء الأبعاد الزمنية "[3]
وهذا التوجه بحسب "برهان غليون " ينطلق من مبدأين :
1- نقاوة الأصول ،بما يتيح احداث اختزالات
زمنية تمكن من الرجوع الى الأصل الممتد للنقاد
2- تصور المجتمع
والانسان قائمين على علائق دينية أٍاس ,انها رؤية ثيوقراطية فاقدة لكل حس تاريخي
تختزل مجالات المجتمع وحركيته في البعد الأخلاقي الديني فحسب[4]
3- التوجه التوفيقي
وكمحاولة للخروج من الازمة بين التوجههين
السابقين ، ظهر تيار يدعو الى التوفيق بين
الفكرين ، فتكون قراءة تجمع بين الأصالة والمعاصرة او بين الثابت والمتغير ، ، فارادت ان تجمع بين
الحفاظ على الهوية -كما في التوجه التقليدي التاريخي- وبين التقدم العلمي - كما في
التوجه التقليدي الأجنبي - ، تستقي من التاريخ ما يصلح لها وتنفتح على الغرب فيما
تستطيع الاخذ منه
وارادت أيضا ان تقدم البديل عن التوجهين السابقين " ..وتقدم بدائل تكشف قدرة التراث على الابقاء على القديم والاستفادة منه وفي الوقات نفسه الانفتاح على الجديد الذي أبدعه العقل الانساني ، ولذلك عرف العالم الاسلامي والعربي وخصوصا في العقود الأخيرة بروز بعض الحلول التوفيقية (كالاشتراكية الاسلامية ،الديمقراطية الاسلامية ...)[5] "
وارادت أيضا ان تقدم البديل عن التوجهين السابقين " ..وتقدم بدائل تكشف قدرة التراث على الابقاء على القديم والاستفادة منه وفي الوقات نفسه الانفتاح على الجديد الذي أبدعه العقل الانساني ، ولذلك عرف العالم الاسلامي والعربي وخصوصا في العقود الأخيرة بروز بعض الحلول التوفيقية (كالاشتراكية الاسلامية ،الديمقراطية الاسلامية ...)[5] "
هل هذه الاشكالية قديمة
-جديدة ؟
هل حقا هذه الاشكالية ليست بجديدة ولاترتبط فقط
بما حدث مع ظهور هذا السؤال منذ اكثر من قرن؟
يرى "الدكتور عبد
الغني عماد ",أن ظهور الثلاث توجهات
حدث مرة من قبل في العصر العباسي حين تعرف
المسلمون على الثقافة والفلسفة اليونانية بشكل واسع مع حركة الترجمة في ذلك الحين
ففي كلتا الحالتين،تم التعرض لثقافه جديدة تنتمي لحضارة مختلفة ونشطط حركة النقل والترجمة وظهر التوجه المنفتح على هذه الثقافات وخاف البعض من هذا التوجه وبلغت المقاومة أشدّها مع حجة الإسلام الإمام الغزالي عندما وضع كتابه “تهافت الفلاسفة”، كما حدث حديثا ثم قامت مواجهة بين “تهافت الفلاسفة” وابن رشد في كتابه “تهافت التهافت”. و يرى " الدكتور عبد الغني" ان هذه المواجهة ، تعبر في حقيقتها عن نظريتين ثقافيتين هما أصل الإشكالية التي نحن بصددها[6]
ففي كلتا الحالتين،تم التعرض لثقافه جديدة تنتمي لحضارة مختلفة ونشطط حركة النقل والترجمة وظهر التوجه المنفتح على هذه الثقافات وخاف البعض من هذا التوجه وبلغت المقاومة أشدّها مع حجة الإسلام الإمام الغزالي عندما وضع كتابه “تهافت الفلاسفة”، كما حدث حديثا ثم قامت مواجهة بين “تهافت الفلاسفة” وابن رشد في كتابه “تهافت التهافت”. و يرى " الدكتور عبد الغني" ان هذه المواجهة ، تعبر في حقيقتها عن نظريتين ثقافيتين هما أصل الإشكالية التي نحن بصددها[6]
ويلاحظ أن من عند ابن
رشد نشأ صراع بين مشروعين كبيرين في وقتنا الحاضر (طه عبد الرحمن ، ومحمد عابد
الجابري ) ، كما يرى" الدكتور عبد النبي الحري "في كتابه (طه عبد الرحمن
ومحمد عابد الجابري صراع المشروعين على ارض الحكمة الرشدية )
ففي حين انحاز محمد عابد الجابري لابن رشد(البرهان ) ليصل معه في التراث ويضعه في المرتبة الأعلى ويقطع مع الغزالي (العرفان ) ، جاء طه عبد الرحمن ليضع العقل المؤيد "العرفان " في المرتبة الاعلى
وحين يقترح الجابري احياء البرهانية الرشدية كحل لمواجهة التيارات المتشددة العنيفة ، يقترح طه عبد الرحمن احياء العرفان السني المغربي لمواجهةالتيارات المتشددة العنيفة
ويرى "الدكتور الحري "، أن طه عبد الرحمن جاء ليرسم صورة لابن رشد يمر من الصورة التي يرسمها الجابري لابن رشد ، فما يقوم الجابري ببنائه يقوم الجابري بهدمها وتحطيمها في لعبة فكرية لتبادل الأدوار وتوزيعها بين البناء والهدم[7]
ولازال الصراع قائما بين مناهج مختلفة تحاول الاجابة على ذلك السؤال الذي لازالنا- للاسف الشديد- لم نملك الاجابة له لنتجاوز تلك الاشكالية.
ففي حين انحاز محمد عابد الجابري لابن رشد(البرهان ) ليصل معه في التراث ويضعه في المرتبة الأعلى ويقطع مع الغزالي (العرفان ) ، جاء طه عبد الرحمن ليضع العقل المؤيد "العرفان " في المرتبة الاعلى
وحين يقترح الجابري احياء البرهانية الرشدية كحل لمواجهة التيارات المتشددة العنيفة ، يقترح طه عبد الرحمن احياء العرفان السني المغربي لمواجهةالتيارات المتشددة العنيفة
ويرى "الدكتور الحري "، أن طه عبد الرحمن جاء ليرسم صورة لابن رشد يمر من الصورة التي يرسمها الجابري لابن رشد ، فما يقوم الجابري ببنائه يقوم الجابري بهدمها وتحطيمها في لعبة فكرية لتبادل الأدوار وتوزيعها بين البناء والهدم[7]
ولازال الصراع قائما بين مناهج مختلفة تحاول الاجابة على ذلك السؤال الذي لازالنا- للاسف الشديد- لم نملك الاجابة له لنتجاوز تلك الاشكالية.
المراجع :
1- تجديد المنهج في تقويم التراث -طه عبد
الرحمن - الرباط - المركز الثقافي العربي -ط4 -2012
2- طه عبد الرحمن ومحمد عابد الجابري
"صراع المشروعين على أرض الحكمة الرشدية "-د.عبد النبي الحري -بيروت
-الشيكة العربية للأبحاث والنشر -ط1 -2014
3- أزمة العقل المسلم -د.عبد الحليم أحمد
أبو سليمان - المعهد العالمي للفكر الاسلامي - ط2
2- منهجية محمد عابد الجابري في التعامل
مع التراث العربي الاسلامي - د.جميل حمداوي - مقال منشور - http://www.alukah.net/literature_language/0/41145/
3- سؤال التجديد وراهنية محمد اقبال- عبد
الله ادالكوس- مقال منشور على موقع مؤسسة مؤمنون بلاحدود - http://mominoun.com/articles/%D8%B3%D8%A4%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A5%D9%82%D8%A8%D8%A7%D9%84-2758
4- أزمة المنهج في فهم التراث..ضمن شروط
الوعي المعاصر - الحسن الحما - بحث
محكم ل مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات
والأبحاث http://mominoun.com/articles/%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D9%87%D8%AC-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AB-%D8%B6%D9%85%D9%86-%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B5%D8%B1-2357
5-في القراءة والتأويل - توفيق بن عامر -
بحث محكم ل مؤسسة مؤمنون بلاحدود للدراسات والأبحاث http://mominoun.com/articles/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D9%88%D9%8A%D9%84-2577
6- التراث والحداثة واشكالية التواصل
الحضاري -د.عبد الغني عماد - مقال بحثي منشور https://alhiwar2012.wordpress.com/2012/01/30/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AB-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D9%88%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B5%D9%84-%D8%A7%D9%84/