الأربعاء، 10 يونيو 2015

مناهج تقويم وتجديد التراث



تمهيد :
ظهرت عدة تيارات ومدارس في محاولة الاجابة على سؤال التراث ، عقب تلاقي الغرب والشرق وصدمة التأخر ، فظهرت التوجه التقليدي الأجنبي ،قاطعا كل علاقة له مع التراث ومتوجها نحو الغرب  ، وظهر كرد فعل له التوجه التقليدي السلفي ، ليقدس التراث ويمنع الاقتراب منه ،في محاولة له للتمسك بهويته خوفا من فقدها في مواجهة هذا الاتجاه الذي جاء ليأخذ منه تراثه وهويته لصالح مستعمر ما جاء الى بلاده ، ثم ظهر الاتجاه التوفيقي لتحاول أن توفق بين المدرستين

 التوجهات الثلاث الرئيسة
1- التوجه التقليدي الأجنبي
                               حيث يدعو الى قطيعة مع التراث  الذي أصابنا بالتخلف و اللحاق بركب الحداثة حيث الغرب المتقدم ، "ولعل ما غاب عن هذا الاتجاه عدم قدرة النموذج الغربي على النهوض بمقومات الأمة الاسلامية باعتبار مادية الأولى وروحانية الثانية....فاختلاف الأسس التي يعتمد عليها الحل التقليدي الغربي عن مكونات المنطق الاسلامي تجعل هذا الموقف غير سليم في تعامله مع المنظومة الغربية  "[1]
ويرى عبدالحميد أحمد أبو سليمان أن سر فشل منطق التقليد  يرجع الى سنة الاختلاف الكائنة بين الامم، حيث أن لكل أمة تكوينها  في قيمها وعقائدها ومفاهيمها ، ولها دوافعها  ونفسيتها وتاريخها ، فاذا لم يتم التعامل معها بفهم كل تلك الجوانب والدوافع فان من الصعب تحريك مكامن القوة والكفاح والبناء فيها[2] .

                        
2- التوجه التقليدي التاريخي
                                وهذا الذي ظهر كرد فعل على الموقف المنادي بالتغريب الكامل ، فجاء حاد مثله رافض لكل ما هو أخر متمسك بكل ما هو أصيل ، لا يفرق بين المقدس وغير المقدس ، يقف كحارس امام كل التراث يمنع الاقتراب منه او محاولة تجديده "وهو يمثل مجموعة من الحلول المنقولة جوهريا من بطون التاريخ مع الغاء الأبعاد الزمنية "[3]
 وهذا التوجه بحسب "برهان غليون " ينطلق من مبدأين :
  1- نقاوة الأصول ،بما يتيح احداث اختزالات زمنية تمكن من الرجوع الى الأصل الممتد للنقاد
2- تصور المجتمع والانسان قائمين على علائق دينية أٍاس ,انها رؤية ثيوقراطية فاقدة لكل حس تاريخي تختزل مجالات المجتمع وحركيته في البعد الأخلاقي الديني فحسب[4]
                
3- التوجه التوفيقي
                      وكمحاولة للخروج من الازمة بين التوجههين السابقين ، ظهر  تيار يدعو الى التوفيق بين الفكرين ، فتكون قراءة تجمع بين الأصالة والمعاصرة  او بين الثابت والمتغير ، ، فارادت ان تجمع بين الحفاظ على الهوية -كما في التوجه التقليدي التاريخي- وبين التقدم العلمي - كما في التوجه التقليدي الأجنبي - ، تستقي من التاريخ ما يصلح لها وتنفتح على الغرب فيما تستطيع الاخذ منه
  وارادت أيضا ان تقدم البديل عن التوجهين السابقين " ..وتقدم بدائل تكشف قدرة التراث على الابقاء على القديم والاستفادة منه وفي الوقات نفسه الانفتاح على الجديد الذي أبدعه العقل الانساني ، ولذلك عرف العالم الاسلامي والعربي وخصوصا في العقود الأخيرة بروز بعض الحلول التوفيقية (كالاشتراكية الاسلامية ،الديمقراطية الاسلامية ...)[5] "

هل هذه الاشكالية قديمة -جديدة ؟
 هل حقا هذه الاشكالية ليست بجديدة ولاترتبط فقط بما حدث مع ظهور هذا السؤال منذ اكثر من قرن؟   يرى "الدكتور عبد الغني عماد ",أن  ظهور الثلاث توجهات حدث مرة من قبل في العصر العباسي حين تعرف المسلمون على الثقافة والفلسفة اليونانية بشكل واسع مع حركة الترجمة في ذلك الحين
 ففي كلتا الحالتين،تم التعرض لثقافه جديدة تنتمي لحضارة مختلفة ونشطط حركة النقل والترجمة وظهر التوجه المنفتح على هذه الثقافات وخاف البعض من هذا التوجه وبلغت المقاومة أشدّها مع حجة الإسلام الإمام الغزالي عندما وضع كتابه “تهافت الفلاسفة”، كما حدث حديثا ثم قامت مواجهة بين “تهافت الفلاسفة” وابن رشد في كتابه “تهافت التهافت”. و يرى " الدكتور عبد الغني" ان هذه المواجهة ، تعبر في حقيقتها عن نظريتين ثقافيتين هما أصل الإشكالية التي نحن بصددها[6]
ويلاحظ أن من عند ابن رشد نشأ صراع بين مشروعين كبيرين في وقتنا الحاضر (طه عبد الرحمن ، ومحمد عابد الجابري ) ، كما يرى" الدكتور عبد النبي الحري "في كتابه (طه عبد الرحمن ومحمد عابد الجابري صراع المشروعين على ارض الحكمة الرشدية )
ففي حين انحاز محمد عابد الجابري لابن رشد(البرهان ) ليصل معه في التراث ويضعه في المرتبة الأعلى  ويقطع مع الغزالي (العرفان ) ،  جاء طه عبد الرحمن ليضع العقل المؤيد "العرفان " في المرتبة الاعلى
 وحين يقترح الجابري احياء البرهانية الرشدية كحل لمواجهة التيارات المتشددة العنيفة ، يقترح طه عبد الرحمن احياء العرفان السني المغربي لمواجهةالتيارات المتشددة العنيفة
ويرى "الدكتور الحري "، أن  طه عبد الرحمن  جاء ليرسم صورة لابن رشد يمر من الصورة التي يرسمها الجابري لابن رشد ، فما يقوم الجابري ببنائه يقوم الجابري بهدمها وتحطيمها في لعبة فكرية لتبادل الأدوار وتوزيعها بين البناء والهدم[7]
ولازال الصراع قائما بين مناهج مختلفة تحاول الاجابة على ذلك السؤال الذي لازالنا- للاسف الشديد- لم نملك الاجابة له لنتجاوز تلك الاشكالية.

المراجع :
1- تجديد المنهج في تقويم التراث -طه عبد الرحمن - الرباط - المركز الثقافي العربي -ط4 -2012
2- طه عبد الرحمن ومحمد عابد الجابري "صراع المشروعين على أرض الحكمة الرشدية "-د.عبد النبي الحري -بيروت -الشيكة العربية للأبحاث والنشر -ط1 -2014
3- أزمة العقل المسلم -د.عبد الحليم أحمد أبو سليمان - المعهد العالمي للفكر الاسلامي - ط2
2- منهجية محمد عابد الجابري في التعامل مع التراث العربي الاسلامي - د.جميل حمداوي - مقال منشور - http://www.alukah.net/literature_language/0/41145/
3- سؤال التجديد وراهنية محمد اقبال- عبد الله ادالكوس- مقال منشور على موقع مؤسسة مؤمنون بلاحدود - http://mominoun.com/articles/%D8%B3%D8%A4%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%88%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A5%D9%82%D8%A8%D8%A7%D9%84-2758
4- أزمة المنهج في فهم التراث..ضمن شروط الوعي المعاصر -  الحسن الحما - بحث محكم  ل مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث http://mominoun.com/articles/%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D9%87%D8%AC-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AB-%D8%B6%D9%85%D9%86-%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B5%D8%B1-2357
5-في القراءة والتأويل - توفيق بن عامر - بحث محكم ل مؤسسة مؤمنون بلاحدود للدراسات والأبحاث  http://mominoun.com/articles/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D9%88%D9%8A%D9%84-2577
6- التراث والحداثة واشكالية التواصل الحضاري -د.عبد الغني عماد - مقال بحثي منشور https://alhiwar2012.wordpress.com/2012/01/30/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AB-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D9%88%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B5%D9%84-%D8%A7%D9%84/


[1] أزمة المنهج في فهم التراث - الحسن الحما
[2] أزمة العقل المسلم- عبد الحميد أحمد أبو سليمان
[3] أزمة العقل المسلم - عبد الحميد أحمد ابو سليمان
[4] سؤال التجديد وراهنية محمد اقبال -
[5] أزمة المنهج في فهم التراث - الحسن الحما
[6] التراث والحداثة واشكاليات التواصل الحضاري- د.عبد الغني عماد
[7] طه عبد الرحمن ومحمد عابد الجابري - د.عبد النبي الحري

اتجاه القطيعة الابستمولوجية مع التراث



تمهيد :
   وكاجابة على سؤال التراث ظهرت الدعوة الىاعتناق الـفكر الغربي كأساس منهجي علمي، يساعد العقل العربي على تخطي أزماته الفــــــكرية واللحاق بــركب الــــحضارة العالمية
وظهر خطاب القطعية الابستمولوجية مع التراث كشرط للتقدم والحداثة من بعض المفكرون


فما هي الابستمولوجيا ؟
تعريف الابستمولوجية : Epistemologies
هو مصطلح جديد اى لون جديد من الدراسات التي تتخذ المعرفة موضوعا لها ، وان شيوع الوسع لهذا المصطلح دليل على وجود مشاكل جديدة أو نظرات جديدة إلى مشاكل قديمة تدعوا الحاجة إلى جعلها موضوعا لعلم جديد .
ويشتق هذا المصطلح من كلمتين يونانيتين ((
Epistemeومعناها 
(( علم )) و ((
Logos )) معناها (( علم ، نقد ، نظرية ، دراسة )) . فالابستمولوجية إذن من حيث الاشتقاق اللغوي وهى (( علم العلوم )) أو (( دراسة النقدية للعلوم ))[1] . 

مفهوم القطعية مع الابستمولوجيا


أول من بلور مفهوم القطيعة الإبستمولوجية أو القطيعة المعرفية هو فيلسوف العلم الفرنسي غاستون باشلار (1884-1962)1.وهو، له معنيين فهو أولا يعني القطيعة المعرفية بين المعرفة العلمية والمعرفة العامة الشائعة. فهو يرى أن بين المعرفة العلمية والمعرفة الشائعة قطيعة كاملة فالأولى مبنية على البرهان والموضوعية أما الثانية فهي ذاتية وتقليدية ولذا جعل من شروط العالم أن يتخلص حين يدخل المختبر من معرفته السابقة.
 أما القطيعة المعرفية بالمعنى الآخر لدى باشلار فهي القطيعة المعرفية بين الأنظمة المعرفية في التاريخ العلمي. كأن نقول أن نيوتن مثلا قد قطع تماما مع الفيزياء السابقة له بعد أن حولها إلى كمية حسابية. أولى باشلار الاهتمام الأكبر للنوع الأول بحكم اهتماماته العلمية أما النوع الثاني فوجد تطبيقاته عند الثلاثي فوكو وألتوسير وكوهن
.
وأما "فوكو " فقسم  الفكر الغربي في كتابه "الكلمات والأشياء" إلى ثلاث حقب تاريخية انطلاقا من تشكل نظام معرفي خاص بكل حقبة،، فعصر النهضة يتأسس على نظام " التشابه " مما يعني أن فهم خطابات هذا العصر لا يمكن فهمها إلا انطلاقا من هذا النظام فهي بمثابة المقدمات أو الأسس التي ينطلق منها التفكير وتتشكل بالتالي من خلالها الخطابات المعرفية والسياسية والفنية... الخ. يلي عصر النهضة العصر الكلاسيكي، المتمثل بالقرنين السابع والثامن عشر، ويسود في هذا العصر نظام (النظام والترتيب) أما العصر الحديث، القرن التاسع عشر، أصبح التاريخ أو الإنسان التاريخي هي المقولة الأساسية في هذا العصر. يؤكد فوكو أن الإنسان لم يكن موجودا قبل القرن الثامن عشر بمعنى أنه لم يكن هدف التفكير ولا منطلقه الأساسي أي أن تفكير الإنسان لم يكن إنسانيا ولا للإنسان، كان لاهوتيا، سلطويا... الخ.
ألتوسير من جهته طبّق مفهوم القطيعة المعرفية من خلال دراسته لماركس حيث قسّم حياته ثلاثة أقسام باعتبار التأثر بالهيجلية المثالية، مرحلة الشباب والتبعية ومرحلة الانقطاع والشك ثم مرحلة الاستقلال والتفرد.. أحدثت مساهمة ألتوسير وقتها لغطا كبيرا خصوصا داخل الماركسيين الذين لم يحتملوا هذا التقسيم لماركس الأب.
اما توماس كوهن ففي كتابه " بنية الثورات العلمية" يسمي كوهن النظام المعرفي ب" البراديغم" أي النموذج. فالنظرية العلمية في وقت من الأوقات تصبح نموذجا متّبعا لكل الباحثين. يتحول البراديغم حين يتعرض لأزمة نتيجة لصعوبات تواجهها النظرية العلمية وتعجز من خلالها عن الإجابة على هذه الصعوبات، في البداية يقوم العلماء بالالتفاف على هذه الصعوبات عن طريق عمل الكثير من التلفيقات في النظرية ولكن هذه التلفيقات تعجز في رقع ثقب النظرية ومن رحم النظرية تخرج الثورة العلمية التي يقوم بها عادة العلماء الشباب ويرفضها الشيوخ ولكنها تنطلق لتؤسس براديغمها الجديد. هل يمكن القول أن النظام المعرفي يتحول حين يعاني من أزمة ؟ هذا احتمال حدث مع الفكر الأوربي كما سبقت له الإشارة مع فوكو والاحتمال الآخر هو أن يلجأ النظام المعرفي إلى الانغلاق على نفسه وتحصينها عن طريق العديد من الآليات[2].
وهذا   المصطلح الذي نشأ في ساحة العلوم الدقيقة أولاً قبل أن ينتقل إلى ساحة العلوم الإنسانية ثم استُخدم من أجل بلورة نظريات فلسفية ضخمة ،ثم  حين انتقل هذا المفهوم إلى المجال التداولي العربي واستخدمه بعض المثقفين والباحثين، فهل جرت المناقشات الضرورية حول هذا المصطلح هنا قبل ان ندخله ونستخدمه ؟
القطعية الابستمولوجية مع التراث العربي والاسلامي

يرى ادريس هاني انه وعلى الرغم من أن مفهوم القطيعة وان كان منشؤه علمي بحث وربما جاء ليقطع التطريق على الاختراق الايدلوجوي نفسه للمعرفه إلا أنه يعتبر أفضل هدية قدمها النقد المعرفي إلى المقاربة الايديولوجية. ومع أن هذا المفهوم المتداول بكثافة في النقد المعرفي والايديولوجي العربي المعاصر، هو العنصر الجامع لمختلف الخطابات و المشاريع النقدية العربية و الإسلامية المعاصرة، إلا أن هناك جانبا كبيرا من الاختلاف لا يستهان به في طبيعة و حيثيات القطيعة المنشودة. فهل يا ترى، هي قطيعة تامة و جذرية مع التراث، أم هي قطيعة موضعية جزئية انتقائية معه أم هي قطيعة مع فهم معين للتراث أم قطيعة مع التراث نفسه...؟[3]
وبالرغم من ظهور الكثير من المفكرين أصحاب الدعوة للقطيعة على اختلاف انواع القراءات فظهرت  ,"القراءة التاريخانية كما عند المفكر المغربي عبد الله العروي، والقراءة السيميائية كما عند محمد مفتاح وعبد الفتاح كليطو...، والقراءة التفكيكية كما عند عبد الله الغذامي وعبد الكبير الخطيبي...، والقراءة التأويلية كما عند نصر أبو زيد ومصطفى ناصف...، والقراءة البنيوية التكوينية كما عند محمد عابد الجابري وإدريس بلمليح[4]"

وسنركز الأن على ثلاثة فقط من هؤلاء المفكرون عبد الله العروي "صاحب القطيعة الكبرى " ، محمد أركون "القطيعة الوسطى " ، و محمد عابد الجابري " القطيعة الصغرى " ، كما قام ادريس هاني بتقسيمهم
وربما كان التركيز على هؤلاء هو بسبب تشابه خلفياتهم ، فالثلاثة من دول المغرب العربي والثلاثة ولدوا في أعوام متقاربة (العروي"1933" والجابري "1936"من المغرب ، وأركون"1928" من الجزائر )، ، وشهدوا الاستعمار  الفرنسي- الذي يتميز عن الاستعمار الانجليزي بالاستعمار الفكري - ، كما شهدوا لحظة التحرر من هذا الاستعمار والتغيرات الشديدة في الوطن العربي (وكما سبق وظهر فان سؤال التراث الذي ظهر منذ البداية عند الاحتكاك مع الغرب المستعمر كاجابة عن الغرب المستعمر )
 فهل كان هذا السبب في أن الثلاثة -مع الاختلاف - استخدموا  الـفكر الغربي كأساس منهجي علمي، يساعد العقل العربي على تخطي أزماته الفــكرية واللحاق بــركب الـحضارة العالمية ؟
،فكانت القطيعة الابستمولوجيا مع التراث ، فيأتي العروي لينادي بقطيعة كاملة مع ذلك الماضي والتوجه بالكامل نحو الغرب المتحضر ، يأتي الجابري لينادي بالدعوة لقطيعة (جزء منها جغرافي ) مع الشرق العربي المسلم (الغزالي وتياره ) ، والوصل مع المغرب العربي المسلم (ابن رشد وتياره )


وعلى الرغم من أن الثلاثة يقفون على أرضية مشتركة فوامها النقد والدعوة الا القطيعة الا أن حيثيات هذه القطيعة هي ما يشكل أرضية تمايز بينهم  ، فالقطيعة عند العروي، تأخذ معنى الطفرة التاريخية، بالمعنى الذي تذهب إليه المادية التاريخية، ما يجعل من هذا الأخير، تاريخانيا بامتياز. أما القطيعة عند محمد عابد الجابري، فهي تأخذ معنى الثورة العلمية كما هي عند غاستون باشلار و طوماس كون؛ ما يجعل منه بنيويا بامتياز. أما القطيعة عند أركون، فهي تعيش على إيقاع معطيات الثورة المنهاجية الجديدة، التي تمتد إلى مختلف الحقول، في اللغة و التاريخ و الاجتماع و النفس. فهي بهذا المعنى قطيعة مع أساليب القراءة و الفهم. و هو مفهوم يلتقي مع كافة الأطر المعرفية التي تشكل المجالات الثقافية والاشتغالية و التداولي للحداثة الغربية[5].

وفي حين يدعو
العروي الى إعلان القطيعة الكبرى مع التراث، و حسن الإنصات إلى الحداثة التي تكشف لنا عن صورة التقدم الحتمي. الحداثة التي تقوم اليوم في أرض ما و في زمان ما. و أن لا علاقة لهذا بالتبعية و الاستلاب، لأن لا خيار بعد ذلك إلا الوقوع في استلاب أفظع و تبعية مضاعفة. إن لهذا الرهان علاقة بالفكر التاريخي، الذي هو الآلية الوحيدة لتحقيق القطيعة مع الماضي. و ليس غريبا أن ينتهي الأمر إلى اقتراح المدرسة الماركسية على الفكر العربي، كي يتعلم منها الوعي التاريخي. ذلك لأن هذه المدرسة في نظر الباحث، هي مدرسة تاريخية. فالغرب يكشف عن مستقبلنا، ونحن نكشف له عن ماضيه. إن التاريخ واحد. إن لم نندمج في منطقه و سنته، حتما سيجرفنا تيار التأخر. على أن هذا المستقبل، هو واحد حتما كالماضي. و من هنا وحدة التاريخ، ووحدة وجهته من الماضي إلى المستقبل. فلا مجال للاعوجاج. 

فان الجابري لا يرى بذلك بل يقطع مع فهم معين مع التراث ،
فان إعلان القطيعة الصغرى، من المنظور النقدي عند الجابري، لا يستجيب للمفهوم التاريخاني. و لذا فإن الجابري، سوف يتوسل بين الفينة و الأخرى بالمفهوم البنيوي للعقل و الثقافة، كي يتسنى له انتقاء ما يصلح وما لا يصلح لقطيعته تلك. وعليه، فهي أقرب ما تكون إلى عملية "أجرأة"، يتسنى بموجبها للناقد فرض شروطه و غاياته الأيديولوجية على التراث[6]. 

أما
( الإسلاميات التطبيقية ) التي أراد أركون ممارستها في سعيه الدؤوب للتأسيس لمشروع حداثي ، تكشف عن رغبة كبيرة في بناء إنموذج معرفي جديد للعقل الإسلامي ، مع الإشارة إلى انه قام بإستعارة واضحة لمناهج و آليات غربية النتاج و البيئة ، ربما أكثرها ممارسةً ( تفكيكية ميشيل فوكو ) ، فأركون يأتي ليمارس منهجية ما بعد حداثوية ممتزجة بأخرى حداثوية في قطيعته مع التراث 
وتبقى ملاحظة :  يبدو أن دعوات القطيعة الابستمولجيه مع التراث - على اختلافها - لم تخرج عن استخدام الفكر الغربي كأساس منهجي علمي لتقويم التراث العربي والاسلامي ، ولم تحاول ان تقوم التراث بادواته وبدا وكأنها مجرد محاولة لتتبع نهضة الاخر بأدواته هو لتعمل في تراث خاص بنا  ، وان محاولات القطيعة مع التراث - العلمية في حد ذاتها - جاءت لتحمل خطاب ايدلوجي ما (وهو ما كانت تنقده في الاصل ) .









المراجع :
1- مخاضات الحداثة التنويرية - القطيعة الابستمولوجية في الفكر والحياة -هاشم صالح  - بيروت - دار الطليعة للطباعة والنشر 2008
2-تجديد المنهج في تقويم التراث -طه عبد الرحمن - الرباط - المركز الثقافي العربي -ط4 -2012

3- مفهوم القطيعة الابستمولوجية عند غاستون باشلار -دلال الاعوج -مقال منشور - الحوار المتمدن-العدد: 3065 - http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=22268

4- موقف الجابري وأركون وأبو زيد من التراث- نصيرة مصابحية - بحث منشور - http://aafaqcenter.com/post/192

5- كيف جرى مفهوم القطيعة على التراث- ادريس هاني - بحث نشر على 3 اجزاء-

http://www.hespress.com/writers/19785.html 

6- منهجية محمد عابد الجابري في التعامل مع التراث العربي الاسلامي - د.جميل حمداوي - مقال منشور - http://www.alukah.net/literature_language/0/41145/


 



[1] مفهوم القطيعة الابستمولوجية عند جاستون اشلار- دلال الاعوج
[2] مخاضات الحداثة التنويرية -هالشم صالح
[3] كيف جرى مفهوم القطيعة مع التراث -ادريس هاني
[4] منهجية محمد الجابري في التعامل مع التراث العربي والاسلامي -د.جميل حمداوي
[5] كيف جرى مفهوم القطيعة على التراث- ادريس هاني
[6] مفهوم القطيعة مع التراث ،ادريس هاني