الأربعاء، 10 يونيو 2015

الاشكال المفهومي للتراث وعلاقته بالوحي



تعريف التراث :
              
 لغة :فلسان العرب، مثلا، يورد مجموعة من التعاريف في مادة ورث من غير أن يخص لفظة تراث بتعريف خاص : "الورث والورث والوراث والإراث والتراث واحد. الجوهري : الميراث أصله موراث، انقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها، والتراث أصل التاء فيه واو. ابن سيدة : والورث والإرث والتراث والميراث : ما ورث؛ وقيل والميراث في المال، والإرث في الحسب
                  وردت  في القرآن بعدة الفااظ  :
      
 (يَرِثُ)، في قوله تعالى : ﴿هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب﴾
             وقيل في تفسيرها يرث من قبيل الميراث العادي ، وقيل المقصود هو ان يرث النبوة
    
        (التراث)، في قوله تعالى: ﴿وتأكلون التراث أكلا لما. وتحبون المال حبا جما﴾
  
  
      (أورثنا)، في قوله تعالى: ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير﴾، قال الطبري: "عن ابن عباس: قوله: (ثم أورثنا الكتاب) إلى قوله: (الفضل الكبير) هم أمة محمَّد e ورثهم الله كل كتاب أنزله".،، وقال ابن عطية الأندلسي: (أورثنا) معناه أعطيناه فرقة، بعد موت فرقة، والميراث - حقيقة أو مجازا - إنما يقال فيما صار لإنسان بعد موت آخر... فكأن الله... وَرَّث أمة محمَّد e الكتاب الذي كان في الأمم قبلهم.

   في السنة النبوية :
فقد ذكرت كلمة (وَرَثَة)، ثم (يورثون) في قوله e: «إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لا يورثون دينارا ولا درهما، فمن أخذه أخذ بحظ وافر». 

  اصطلاحا :
       
   يقول ،ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ «ﺃﻛﺮﻡ ﺿﻴﺎﺀ ﺍﻟﻌﻤﺮﻱ»  «: ﻫﻮ ﻣﺎ ﻭﺭﺛﻨﺎﻩ ﻋﻦ ﺁﺑﺎﺋﻨﺎ ﻣﻦ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﻭ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﻭﻗﻴﻢ ﻭﺁﺩﺍﺏ ﻭﻓﻨﻮﻥ ﻭﺻﻨﺎﻋﺎﺕ ﻭﺳﺎﺋﺮ ﺍﻨﺠﺰﺍﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺍﻌﻨﻮﻳﺔ ﻭﺍﺎﺩﻳﺔ،ﺑﻞ ﺇﻧﻪ ﻳﺸﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺣﻲ ﺍﻹﻲ " ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮ " ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺭﺛﻨﺎﻩ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﻼﻓﻨﺎ ....ﻛﺬﺍﻟﻚ ﺍﻨﺠﺰﺍﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻀﺎﺭﻳﺔ ﻭ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﺈﺎ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﺘﻮﻗﻴﻒ ﻭ ﻖﻓ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻌﺎﺻﺮﺓ ﻭﺣﺴﺐ ﺍﺎﺟﺔ ﻭ  ﺼﻠﺤﺔ»
        ويقول  الحسان شهيد  ان " تعدد مفاهيم التراث في المجال الاصطلاحي بحسب تعدد الاختصاصات والفضاءات التي تطلق هذا المفهوم، فقد يعني التراث الثقافة الشعبية عند بعضهم، وتعني عادات وتقاليد أمة وشعب، وقد تعني ما هو مكتوب ومدون، وعند الباحثين في علوم السلف: ما هو مكتوب من مخطوطات ونصوص خلفها السلف والأجداد، وعرفه الدكتور محمَّد جميل مبارك "بأنه تركة مادية أو معنوية يخلفها السابق للاحق لرابطة بينهما"
    
كما يرى عابد الجابري “ ان التراث هو الموروث الثقافي والفكري والديني والأدبي والفني، وهو الحمولة التي أصبحت تحملها هذه الكلمة في خطابنا العربي المعاصر، لم يكن حاضرا لا في خطاب أسلافنا ولا في حقل تفكيرهم، كما أنه غير حاضر في خطاب أية لغة من اللغات الحية والمعاصرة التي نستورد منها المصطلحات والمفاهيم الجديدة علينا.
    

هل يدخل الوحي ضمن التراث ؟
ونجد هنا اتجاهان متباينان في تحديد مفهوم التراث في مجال الدراسات الاسلامية والفكر الاسلامي

الاتجاه الاول : وهو الاتجاه الذي لا يرى مانعا في ادماج الوحي ضمن التراث كما سبق وقال الدكتور أكرم ضياء العمري
ويشتمل التراث عند جميل مبارك "نصوص الوحي والعلوم والمعارف التي أنتجها السابقون حولهما من أجل توظيف وخدمة الحقيقة الإسلامية التي تضمنتها تلك النصوص ليرثها عنهم اللاحقون؛ ليضمنوا بها استمرار العيش في ظلال تلك الحقيقة الإسلامية". والاتجاه نفسه يستفاد من كلام شامل شاهين وهو يتحدث عما خلفه علماء الأمة من تراث إنساني عظيم وضخم منتشر في مكتبات العالم شرقيه وغربيه، بالإضافة إلى المزية الأهم والأرفع وهو شمول التراث الإسلامي على الوحي الإلهي -
القرآن والسنة.

ويرى الدكتور الحسان شهيد أن مقصد هذا لااتجاه هو :”
الرغبة في الحفاظ على الحمولة المعنوية للمصطلح القرآني والحديثي، دون اعتبار لما توحي به المصطلحات الوافدة خاصة مصطلح التراث/ HERITAGE/LECACY في الحضارة الغربية المعاصرة.”

الاتجاه الثاني:
أما الاتجاه الثاني فهو لا يرى بأن التراث يتضمن الوحي . لأنها تتميز عن غيرها في المصدر والخصائص،
فيقول الدكتور عماد الدين خليل،: "وهذا لا يعني - بالضرورة - إدراج النصوص القرآنية والنبوية التي تنبني عليها العقيدة والشريعة، في سياق المعطى التراثي، بسبب من اختلاف المصدرين، والخصائص المتميزة لكل معطى. "
 

ويقول الاستاذأنور الجندي  حيث قال " أما بالنسبة للإسلام فإن هناك شيئا قائما كالمنار لا يمكن أن يوصف بأنه تراث، هو القرآن والسنة، وهذا هو ميراث المسلمين الأصيل الذي حفظ الله ما أنزل منه وهو القرآن، والذي وصفه الرسول الكريم بقوله:((لقد أوتيت هذا القرآن ومثله معه...)) فكيف يمكن أن يصفه بضعة شعوبيين وعلمانيين بأنه تراث"

ويرى الدكتور الحسان شهيد أن مقصد هذا لااتجاه هو :"
أنه يريد الحفاظ على القدسية المطلقة، التي يتمتع بها كل من القرآن والسنة عند دراسة التراث وفحصه، خصوصا في وقت تبسط فيه النظريات الغربية مناهجها بكلّ قوة، لا تفرق فيه بين ما هو مقدس وآخر غير مقدس
فيقول هذا الدكتور عماد الدين خليل
“... ففي الحالة الأولى(يقصد حين لا يدخل الوحي تحت مفهوم التراث ) نجد أنفسنا قبالة موروث ينطوي على الصواب والخطأ، لأنه موروث بشري، أو وضعي، بالمفهوم اللغوي. على حين تعكس الحالة الثانية معطيات إلهية ونبوية "يقينية" لا تقبل أيما نقص أو خطأ. وهكذا فإن المسلم ها هنا يجد نفسه ملزمًا بالأخذ، بالقبول والتسليم،أما هناك فهو بازاء هامش واسع من الحرية والاختيار في الأخذ والرد والتغيير والتحوير “

.
ويرى الدكتور طه جابر العلولني في محاضراته التي ألقاها عن التراث ، أن الاتجاه الأول قد ادى الى مشكلتين ،الأولى: هي معاملة التراث معاملة المقدس ، وقد ادى هذا الى جمود فكري عانت الأمة منه
الثانية : قيام البعض بالدعوى لاسقاط التراث كاملا (بما فيه الوحي )
ولهذا فهو يتفق مع الاتجاه الثاني ، لانه لن يمنع التجديد (لانه لم يعد مقدس ) وسيحافظ على مكانة الوحي ممن يريدون اسقاط التراث بشكل كامل

في حين يقترح الدكتور الحسان شهيد النظر في مجموعة من المبادىء عليها تؤذي الى صياغه تجمع بين الرأيين المختلفيين
-إعادة الاعتبار للمصطلحات الشرعية الأصيلةوالتحرر سلطة الفكر الغربي، وهيمنة مفاهيمه،
 أن تسويغنا لعدم نعت نصوص الوحي بالتراث بأن ذلك تصور فكري غربي تقوم عليه مناهجه وبالتالي سنسقط في تصوراته ورؤاه- تسويغ ليس له أساس متين،
-انه لاتوجد اي مشكلة في اعتبار الوحي جزء من التراث مع الفصل بينهم في التعامل مع ماهو وحي من حيث قداسته وعدم اضفاء القداسة على ما سواهم

...
المراجع :
1- مفهوم التراث في الفكر الاسلامي -الحسان شهيد -مقالة – مجلة التفاهم- مجلة فصلية فكرية اسلامية-مقالات العدد الواحد والثلاثون لسنة 1432هـ / 2011 م- مقالات العدد الواحد والثلاثون لسنة 1432هـ / 2011 م
2-في منهج التعامل مع التراث-عماد الدين خليل -مقالة – مجلة اسلامية المعرفة -العدد 19 -http://www.eiiit.org/resources/eiiit.asp
3-:د.طه جابر العلواني ,المحاضرة الاولى "مقدمة منهجية التعامل مع التراث "، معهد مفكر ،https://www.youtube.com/watch?v=FmqkLeXKSXsHYPERLINK "https://www.youtube.com/watch?v=FmqkLeXKSXs&feature=g-upl"&HYPERLINK "https://www.youtube.com/watch?v=FmqkLeXKSXs&feature=g-upl"feature=g-upl
4-ابن منظور: لسان العرب، دار الرشاد الحديثة، بيروت،
5-التراث والمعاصر – أكرم ضياء العمري- رئاسة الشئون الدينية – قطر – 1405
6-، .  المنهجية في الأدب والعلوم الإنسانية-التراث ومشكل المنهج ,محمد عابد الجبري،، دار توبقال، الدار البيضاء،، 1986.
7- المعاصرة في إطار الأصالة، أنور الجندي، دار الصحوة للنشر، القاهرة، ، 1408/1987،

هناك تعليق واحد: