الأربعاء، 10 يونيو 2015

اتجاه القطيعة الابستمولوجية مع التراث



تمهيد :
   وكاجابة على سؤال التراث ظهرت الدعوة الىاعتناق الـفكر الغربي كأساس منهجي علمي، يساعد العقل العربي على تخطي أزماته الفــــــكرية واللحاق بــركب الــــحضارة العالمية
وظهر خطاب القطعية الابستمولوجية مع التراث كشرط للتقدم والحداثة من بعض المفكرون


فما هي الابستمولوجيا ؟
تعريف الابستمولوجية : Epistemologies
هو مصطلح جديد اى لون جديد من الدراسات التي تتخذ المعرفة موضوعا لها ، وان شيوع الوسع لهذا المصطلح دليل على وجود مشاكل جديدة أو نظرات جديدة إلى مشاكل قديمة تدعوا الحاجة إلى جعلها موضوعا لعلم جديد .
ويشتق هذا المصطلح من كلمتين يونانيتين ((
Epistemeومعناها 
(( علم )) و ((
Logos )) معناها (( علم ، نقد ، نظرية ، دراسة )) . فالابستمولوجية إذن من حيث الاشتقاق اللغوي وهى (( علم العلوم )) أو (( دراسة النقدية للعلوم ))[1] . 

مفهوم القطعية مع الابستمولوجيا


أول من بلور مفهوم القطيعة الإبستمولوجية أو القطيعة المعرفية هو فيلسوف العلم الفرنسي غاستون باشلار (1884-1962)1.وهو، له معنيين فهو أولا يعني القطيعة المعرفية بين المعرفة العلمية والمعرفة العامة الشائعة. فهو يرى أن بين المعرفة العلمية والمعرفة الشائعة قطيعة كاملة فالأولى مبنية على البرهان والموضوعية أما الثانية فهي ذاتية وتقليدية ولذا جعل من شروط العالم أن يتخلص حين يدخل المختبر من معرفته السابقة.
 أما القطيعة المعرفية بالمعنى الآخر لدى باشلار فهي القطيعة المعرفية بين الأنظمة المعرفية في التاريخ العلمي. كأن نقول أن نيوتن مثلا قد قطع تماما مع الفيزياء السابقة له بعد أن حولها إلى كمية حسابية. أولى باشلار الاهتمام الأكبر للنوع الأول بحكم اهتماماته العلمية أما النوع الثاني فوجد تطبيقاته عند الثلاثي فوكو وألتوسير وكوهن
.
وأما "فوكو " فقسم  الفكر الغربي في كتابه "الكلمات والأشياء" إلى ثلاث حقب تاريخية انطلاقا من تشكل نظام معرفي خاص بكل حقبة،، فعصر النهضة يتأسس على نظام " التشابه " مما يعني أن فهم خطابات هذا العصر لا يمكن فهمها إلا انطلاقا من هذا النظام فهي بمثابة المقدمات أو الأسس التي ينطلق منها التفكير وتتشكل بالتالي من خلالها الخطابات المعرفية والسياسية والفنية... الخ. يلي عصر النهضة العصر الكلاسيكي، المتمثل بالقرنين السابع والثامن عشر، ويسود في هذا العصر نظام (النظام والترتيب) أما العصر الحديث، القرن التاسع عشر، أصبح التاريخ أو الإنسان التاريخي هي المقولة الأساسية في هذا العصر. يؤكد فوكو أن الإنسان لم يكن موجودا قبل القرن الثامن عشر بمعنى أنه لم يكن هدف التفكير ولا منطلقه الأساسي أي أن تفكير الإنسان لم يكن إنسانيا ولا للإنسان، كان لاهوتيا، سلطويا... الخ.
ألتوسير من جهته طبّق مفهوم القطيعة المعرفية من خلال دراسته لماركس حيث قسّم حياته ثلاثة أقسام باعتبار التأثر بالهيجلية المثالية، مرحلة الشباب والتبعية ومرحلة الانقطاع والشك ثم مرحلة الاستقلال والتفرد.. أحدثت مساهمة ألتوسير وقتها لغطا كبيرا خصوصا داخل الماركسيين الذين لم يحتملوا هذا التقسيم لماركس الأب.
اما توماس كوهن ففي كتابه " بنية الثورات العلمية" يسمي كوهن النظام المعرفي ب" البراديغم" أي النموذج. فالنظرية العلمية في وقت من الأوقات تصبح نموذجا متّبعا لكل الباحثين. يتحول البراديغم حين يتعرض لأزمة نتيجة لصعوبات تواجهها النظرية العلمية وتعجز من خلالها عن الإجابة على هذه الصعوبات، في البداية يقوم العلماء بالالتفاف على هذه الصعوبات عن طريق عمل الكثير من التلفيقات في النظرية ولكن هذه التلفيقات تعجز في رقع ثقب النظرية ومن رحم النظرية تخرج الثورة العلمية التي يقوم بها عادة العلماء الشباب ويرفضها الشيوخ ولكنها تنطلق لتؤسس براديغمها الجديد. هل يمكن القول أن النظام المعرفي يتحول حين يعاني من أزمة ؟ هذا احتمال حدث مع الفكر الأوربي كما سبقت له الإشارة مع فوكو والاحتمال الآخر هو أن يلجأ النظام المعرفي إلى الانغلاق على نفسه وتحصينها عن طريق العديد من الآليات[2].
وهذا   المصطلح الذي نشأ في ساحة العلوم الدقيقة أولاً قبل أن ينتقل إلى ساحة العلوم الإنسانية ثم استُخدم من أجل بلورة نظريات فلسفية ضخمة ،ثم  حين انتقل هذا المفهوم إلى المجال التداولي العربي واستخدمه بعض المثقفين والباحثين، فهل جرت المناقشات الضرورية حول هذا المصطلح هنا قبل ان ندخله ونستخدمه ؟
القطعية الابستمولوجية مع التراث العربي والاسلامي

يرى ادريس هاني انه وعلى الرغم من أن مفهوم القطيعة وان كان منشؤه علمي بحث وربما جاء ليقطع التطريق على الاختراق الايدلوجوي نفسه للمعرفه إلا أنه يعتبر أفضل هدية قدمها النقد المعرفي إلى المقاربة الايديولوجية. ومع أن هذا المفهوم المتداول بكثافة في النقد المعرفي والايديولوجي العربي المعاصر، هو العنصر الجامع لمختلف الخطابات و المشاريع النقدية العربية و الإسلامية المعاصرة، إلا أن هناك جانبا كبيرا من الاختلاف لا يستهان به في طبيعة و حيثيات القطيعة المنشودة. فهل يا ترى، هي قطيعة تامة و جذرية مع التراث، أم هي قطيعة موضعية جزئية انتقائية معه أم هي قطيعة مع فهم معين للتراث أم قطيعة مع التراث نفسه...؟[3]
وبالرغم من ظهور الكثير من المفكرين أصحاب الدعوة للقطيعة على اختلاف انواع القراءات فظهرت  ,"القراءة التاريخانية كما عند المفكر المغربي عبد الله العروي، والقراءة السيميائية كما عند محمد مفتاح وعبد الفتاح كليطو...، والقراءة التفكيكية كما عند عبد الله الغذامي وعبد الكبير الخطيبي...، والقراءة التأويلية كما عند نصر أبو زيد ومصطفى ناصف...، والقراءة البنيوية التكوينية كما عند محمد عابد الجابري وإدريس بلمليح[4]"

وسنركز الأن على ثلاثة فقط من هؤلاء المفكرون عبد الله العروي "صاحب القطيعة الكبرى " ، محمد أركون "القطيعة الوسطى " ، و محمد عابد الجابري " القطيعة الصغرى " ، كما قام ادريس هاني بتقسيمهم
وربما كان التركيز على هؤلاء هو بسبب تشابه خلفياتهم ، فالثلاثة من دول المغرب العربي والثلاثة ولدوا في أعوام متقاربة (العروي"1933" والجابري "1936"من المغرب ، وأركون"1928" من الجزائر )، ، وشهدوا الاستعمار  الفرنسي- الذي يتميز عن الاستعمار الانجليزي بالاستعمار الفكري - ، كما شهدوا لحظة التحرر من هذا الاستعمار والتغيرات الشديدة في الوطن العربي (وكما سبق وظهر فان سؤال التراث الذي ظهر منذ البداية عند الاحتكاك مع الغرب المستعمر كاجابة عن الغرب المستعمر )
 فهل كان هذا السبب في أن الثلاثة -مع الاختلاف - استخدموا  الـفكر الغربي كأساس منهجي علمي، يساعد العقل العربي على تخطي أزماته الفــكرية واللحاق بــركب الـحضارة العالمية ؟
،فكانت القطيعة الابستمولوجيا مع التراث ، فيأتي العروي لينادي بقطيعة كاملة مع ذلك الماضي والتوجه بالكامل نحو الغرب المتحضر ، يأتي الجابري لينادي بالدعوة لقطيعة (جزء منها جغرافي ) مع الشرق العربي المسلم (الغزالي وتياره ) ، والوصل مع المغرب العربي المسلم (ابن رشد وتياره )


وعلى الرغم من أن الثلاثة يقفون على أرضية مشتركة فوامها النقد والدعوة الا القطيعة الا أن حيثيات هذه القطيعة هي ما يشكل أرضية تمايز بينهم  ، فالقطيعة عند العروي، تأخذ معنى الطفرة التاريخية، بالمعنى الذي تذهب إليه المادية التاريخية، ما يجعل من هذا الأخير، تاريخانيا بامتياز. أما القطيعة عند محمد عابد الجابري، فهي تأخذ معنى الثورة العلمية كما هي عند غاستون باشلار و طوماس كون؛ ما يجعل منه بنيويا بامتياز. أما القطيعة عند أركون، فهي تعيش على إيقاع معطيات الثورة المنهاجية الجديدة، التي تمتد إلى مختلف الحقول، في اللغة و التاريخ و الاجتماع و النفس. فهي بهذا المعنى قطيعة مع أساليب القراءة و الفهم. و هو مفهوم يلتقي مع كافة الأطر المعرفية التي تشكل المجالات الثقافية والاشتغالية و التداولي للحداثة الغربية[5].

وفي حين يدعو
العروي الى إعلان القطيعة الكبرى مع التراث، و حسن الإنصات إلى الحداثة التي تكشف لنا عن صورة التقدم الحتمي. الحداثة التي تقوم اليوم في أرض ما و في زمان ما. و أن لا علاقة لهذا بالتبعية و الاستلاب، لأن لا خيار بعد ذلك إلا الوقوع في استلاب أفظع و تبعية مضاعفة. إن لهذا الرهان علاقة بالفكر التاريخي، الذي هو الآلية الوحيدة لتحقيق القطيعة مع الماضي. و ليس غريبا أن ينتهي الأمر إلى اقتراح المدرسة الماركسية على الفكر العربي، كي يتعلم منها الوعي التاريخي. ذلك لأن هذه المدرسة في نظر الباحث، هي مدرسة تاريخية. فالغرب يكشف عن مستقبلنا، ونحن نكشف له عن ماضيه. إن التاريخ واحد. إن لم نندمج في منطقه و سنته، حتما سيجرفنا تيار التأخر. على أن هذا المستقبل، هو واحد حتما كالماضي. و من هنا وحدة التاريخ، ووحدة وجهته من الماضي إلى المستقبل. فلا مجال للاعوجاج. 

فان الجابري لا يرى بذلك بل يقطع مع فهم معين مع التراث ،
فان إعلان القطيعة الصغرى، من المنظور النقدي عند الجابري، لا يستجيب للمفهوم التاريخاني. و لذا فإن الجابري، سوف يتوسل بين الفينة و الأخرى بالمفهوم البنيوي للعقل و الثقافة، كي يتسنى له انتقاء ما يصلح وما لا يصلح لقطيعته تلك. وعليه، فهي أقرب ما تكون إلى عملية "أجرأة"، يتسنى بموجبها للناقد فرض شروطه و غاياته الأيديولوجية على التراث[6]. 

أما
( الإسلاميات التطبيقية ) التي أراد أركون ممارستها في سعيه الدؤوب للتأسيس لمشروع حداثي ، تكشف عن رغبة كبيرة في بناء إنموذج معرفي جديد للعقل الإسلامي ، مع الإشارة إلى انه قام بإستعارة واضحة لمناهج و آليات غربية النتاج و البيئة ، ربما أكثرها ممارسةً ( تفكيكية ميشيل فوكو ) ، فأركون يأتي ليمارس منهجية ما بعد حداثوية ممتزجة بأخرى حداثوية في قطيعته مع التراث 
وتبقى ملاحظة :  يبدو أن دعوات القطيعة الابستمولجيه مع التراث - على اختلافها - لم تخرج عن استخدام الفكر الغربي كأساس منهجي علمي لتقويم التراث العربي والاسلامي ، ولم تحاول ان تقوم التراث بادواته وبدا وكأنها مجرد محاولة لتتبع نهضة الاخر بأدواته هو لتعمل في تراث خاص بنا  ، وان محاولات القطيعة مع التراث - العلمية في حد ذاتها - جاءت لتحمل خطاب ايدلوجي ما (وهو ما كانت تنقده في الاصل ) .









المراجع :
1- مخاضات الحداثة التنويرية - القطيعة الابستمولوجية في الفكر والحياة -هاشم صالح  - بيروت - دار الطليعة للطباعة والنشر 2008
2-تجديد المنهج في تقويم التراث -طه عبد الرحمن - الرباط - المركز الثقافي العربي -ط4 -2012

3- مفهوم القطيعة الابستمولوجية عند غاستون باشلار -دلال الاعوج -مقال منشور - الحوار المتمدن-العدد: 3065 - http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=22268

4- موقف الجابري وأركون وأبو زيد من التراث- نصيرة مصابحية - بحث منشور - http://aafaqcenter.com/post/192

5- كيف جرى مفهوم القطيعة على التراث- ادريس هاني - بحث نشر على 3 اجزاء-

http://www.hespress.com/writers/19785.html 

6- منهجية محمد عابد الجابري في التعامل مع التراث العربي الاسلامي - د.جميل حمداوي - مقال منشور - http://www.alukah.net/literature_language/0/41145/


 



[1] مفهوم القطيعة الابستمولوجية عند جاستون اشلار- دلال الاعوج
[2] مخاضات الحداثة التنويرية -هالشم صالح
[3] كيف جرى مفهوم القطيعة مع التراث -ادريس هاني
[4] منهجية محمد الجابري في التعامل مع التراث العربي والاسلامي -د.جميل حمداوي
[5] كيف جرى مفهوم القطيعة على التراث- ادريس هاني
[6] مفهوم القطيعة مع التراث ،ادريس هاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق