الخميس، 12 يونيو 2014

نشأة علم الأصول





يعتبر علم اصول الفقه – من حيث التدوين والتأليف – من العلوم التي ظهرت اواخر القون الثاني الهجري ، على يد الامام الشافعي المتوفى 204 في كتابة "الرسالة "الصحابة والتابعين
ان استنباط الفقه وأصوله قد بدأ منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لما تركه من فراغ تشريعي 1

وقد انتشر الصحابة في الامصار يفقهون الناس ويعلمونهم وهيأوا جيلا وطبقة من التابعين في كافة الامصار الاسلامية ،

وأصبح فقهاء التابعين يقومون بما يقوم به فقهاء وعلماء الصحابة من تشريع وفتوى وقضاء وكان الصحابة – رضوان الله عليهم يؤيدون فعلهم

ويقرر ابن القيم هذا المعنى بقوله
:
"وأكابر التابعين كانوا يفتون في الدين، ويستفتيهم الناس وأكابر الصحابة يجوزون لهم ذلك". وتأثر أهل كل مصر من الأمصار بمناهج هؤلاء الصحابة في استنباط الأحكام واستخراجها وتعليليها . 2 تابعوا التابعين :
وهم الذين عاصروا التابعين، وتحدد فترتهم حسب السنين بالقرن الثاني الهجري
. وقد حذا هؤلاء في استنباط الأحكام، وترتيب الأخذ من المصادر والأصول حذو سلفهم من التابعين، فكانوا لا يتعدون فتاوى من تلقوا عنه من أهل بلادهم.
يقول أبو محمد علي بن حزم
:
"ثم أتى بعد التابعين فقهاء الأمصار كأبي حنيفة وسفيان، وابن أبي ليلى بالكوفة، وابن جريج بمكة، وابن الماجشون بالمدينة، وعثمان البتي، وسوار بالبصرة، والأوزاعي بالشام، والليث بمصر، فجروا على تلك الطريقة من أخذ كل واحد عن التابعين من أهل بلده فيما كان عندهم، واجتهادهم فيما لم يجدوا عندهم وهو موجود عند غيرهم، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها".3
وظهرت مدرستين أساسيتن
مدرسة الحجاز (أهل الحديث )
الامام مالك

فمالك رضي الله عنه يؤثر في الأخذ بمذهب عمر وعثمان وابن عمر وعائشة وابن عباس وزيد بن ثابت وأصحابهموهم في نظره أحق بالأخذ بأقوالهم، وقد تبلور هذا الاتجاه إلى دليل تشريعي وهو ما يدعوه بـ
(عمل أهل المدينة).وتميز عملها الفقهي بالاتي
: 1 ـ الوقوف عند النصوص والآثار، والتمسك بظواهرها، دون بحث عن علة الحكم غالباً·
2 ـ لا يلجأون إلى الرأي إن كان هناك نص أو أثر، وإن رواه واحد فقط، ما دام هذا الراوي ثقة عدلاً·
3 ـ الاعتماد على الرأي في حالات الضرورة القصوى، والامتناع عن الفصل في المسائل التي لا حكم لها يعرفونه من الكتاب أو السنَّة، أو الإجماع·
 4 ـ التوقف عن الخوض في المسائل التي لم تقع فعلاً·4
ومن أهم الاسباب التي حملتهم على هذا
1-
تأثرهم بطريقة شيخهم عبد الله بن عمر
2- كثرة ما عندهم من الأثار عن رسول صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة -رضوان الله عليهم – ووجودهم مكان نزول الوحي ،حيث نزل القران الكريم ورويت الاحاديث والاثار النبوية
3-
قلة ما يعرض لهم من الحوادث لبشاطة حياتهم 5


مدرسة ألعراق ( أهل الرأي) الأمام أبو حنيفة
أبو حنيفة رضي الله عنه يعطي الأولوية لمذهب عبدا لله بن مسعود وأصحابه، وقضايا علي كرم الله وجهه، وشريح والشعبي، وفتاوى إبراهيم، وهؤلاء في نظره أحق بالأخذ بأقوالهم عند أهل الكوفة من غيرهم
. وقد تكونت لديه القناعة بالمنحى الاجتهادي لهؤلاء بالاعتماد على القياس، والأخذ بالاستحسان عند افتقاد النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة.
وإن جرى اختلاف بين أقوال علماء الأمصار أخذوا منها بأقواها وأرجحها، إما بكثرة القائلين به، أو لموافقته لقياس قوي، أو تخريج من الكتاب والسنة، فإذا لم يجدوا فيما حفظوا منهم جواب المسألة خرجوا من كلامهم، وتتبعوا مفاهيمه ومدلولاته
.وتميز عملها الفقهي بالاتي
1
ـ يذهب أهل الرأي إلى أن أحكام الشرع معقولة المعنى، تشتمل على مصالح ترجع إلى العباد، كما أنها بنيت عى أصول محكمة وعلل ضابطة لذلك الحكم، فكانوا يبحثون عن تلك العلل والحكم، ثم يربطون الحكم بها وجوداً وعدماً·
 2 ـ التشدد في قبول أخبار الآحاد، وذلك لأن الكوفة لم تكن موطن الحديث كما كانت المدينة ، وفي الكوفة انتشرت كثير من البدع، ووضعت الأحاديث لتعضيدها·
3 ـ التوسع في استخدام القياس، وافتراض حوادث لم تقع، وإبداء الرأي فيها·6
ومن اهم الاسباب التي حملتهم على هذا
1-
تأثرهم بشيوخهم السابق ذكرهم
2- العراق كانت اكثر الامصار سكنى للصحابة كابن مسعود وسعد بن ابي وقاص ، وابي موسى الاشعري، وانس بن مالك ،فاكتفوا بالرواية عنهم ولم يطلبوا الحديث من غيرهم
3- كانت العراق مجتمعا للشيعة والخوارج واصحاب الملل المختلفة والنحل المتباينة ، وكل هؤلاء حاولوا ان ينصروا اراءهم وان يكيدوا للدين بوضع الاحاديث او نقل اثار مكذوبة ، فمن هنا تحرج العلماء في قبول الاخبار ، ووضعوا قيودا كثيرة لقبول الاحاديث
4- كثرة الحوادث والنوازل ، وحيث صارت لفترة عاصمة للخلافة ، فصاروا يحاولون توقع الحوادث والنوزال المختلفة ، وهنا ظهر الفقه الفرضي7

وظهر المتعصبون لكلا الفريقين واتسع الخلاف ، واحتدم النزاع ، واخذ كل فريق ينتصر لطريقة شيخه ويدافع عن مذهبه
وتظهر المكاتبة بين الامام مالك والامام الليث بن سعد ،حيث يعرض الإمام مالك فيها لمنهج السلف في استنباط الأحكام بعامة، ويشرح فيها وجهة نظره في احتجاجه بعمل أهل المدينة بخاصة، حيث يقدمه على القياس بله الحديث الصحيح؛ لأنه أقوى عنده؛ إذ علمهم بمنزلة روايتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواية جماعة عن جماعة أولى بالتقديم من رواية فرد عن فرد، ويناقشه الليث بن سعد في هذا الموقف في خطاب كله أدب ولطف، ويقدم له الأدلة والأمثلة لإقناعه للتراجع عن هذا الموقف، 8
محاولة للوصول الى قواعد الى اصول فقه تجمع عليها الامة

ومن أبرز سمات هذه المرحلة :
1- ظهور الاستدلال بأقول الصحابة رضوان الله عليهم
2- اتساع دائرة الخلاف
3- ظهور مدرسة أهل الرأي وأهل الحديث
4- اختلاف مناهج الاستنباط وازديادها ،نظرا لكثرة الحوادث ،وعكوف بعض الائمة على الفتوى
الامام الشافعي :
اجتمع للامام الشافعي هذين المنهجين حيث تلقى العلم عن الامام مالك ، وتلقى فقه أبي حنيفة بالعراق على يد محمد بن الحسن ،ثم ذهب الى مصر واستقر بها 9

وبهذه المعطيات استطاع الامام ان يدون قواعد أصول الفقه في كتابه الرسالة
,ويتناول القضايا المختلفة بين المدرستين
فيقوا ،في منزلة الاجماع والقياس:
قال: فقد حكمت بالكتاب والسنة، فكيف حكمت بالإجماع، ثم حكمت بالقياس، فأقمتها مع كتاب أو سنة؟
فقلت: إني وإن حكمت بها كما احكم بالكتاب والسنة: فأصل ما أحكم به منها مفترق.
قال: أفيجوز أن تكون أصول مفرقة الأسباب يحكم فيها حكما واحدا؟
قلت: نعم، يحكم بالكتاب والسنة المجتمع عليها، الذي لا اختلاف فيها، فنقول لهذا: حكمنا بالحق في الظاهر والباطن.
ويحكم بالسنة قد رويت من طريق الانفراد، لا يجتمع الناس عليها، فنقول حكمنا بالحق في الظاهر، لأنه قد يمكن الغلط فيمن روى الحديث.
ونحكم بالإجماع ثم القياس، وهو أضعف من هذا، ولكنها منزلة ضرورة، لأنه لا يحل القياس والخبر موجود، كما يكون التيمم طهارة في السفر عند الإعواز من الماء، ولا يكون طهارة إذا وجد الماء، إنما يكون طهارة في الإعواز.
وكذلك يكون ما بعد السنة حجة إذا أعوز من السنة.
وقد وصفت الحجة في القياس، وغيره قبل هذا.
قال: أفتجد شيئا شبهه.
قلت: نعم، أقضي على الرجل بعلمي أن ما ادعي عليه كما ادعي، أو إقراره، فإن لم أعلم ولم يقر قضيت عليه بشاهدين، وقد يغلطان ويهمان، وعلمي وإقراره أقوى عليه من شاهدين، وأقضي عليه بشاهد ويمين، وهو أضعف من شاهدين، ثم أقضي عليه بنكوله عن اليمين ويمين صاحبه، وهو أضعف من شاهد ويمين، لأنه قد ينكل خوف الشهرة واستصغار ما يحلف عليه، ويكون الحالف لنفسه غير ثقة وحريصا فاجرا10.












________
المراجع
1-
أصول الفقه
-تاريخه ورجاله – الدكتورشعبان محمد اسماعيل -القاهرة- دار السلام-ط2 1998
2- الرسالة -للامام محمد بن ادريس الشافعي- تحقيق وشرح :محمد أحمد شاكر -بيروت -دار الكتب العلمية
3-الفكر الأصولي - دراسة تحليلية-أ. د عبدالوهاب أبو سليمان-جدة-دار الشروق-ط1 ، 1402هـ
4-مقالة -الفقه الافتراضي بين أهل الرأي وأهل الحديث- مجلة الوعي الاسلامي- محمد النجيري- العدد532 بتاريخ 3-9-2010 -http://alwaei.com/topics/view/article_new.php?sdd=322&issue=454

1أصول الفقه ص25
  1. 2الفقه الاصولي ص40:44
3الفقه الاصوليص48:49
4الفقه الافتراضي بين أهل الرأي وأهل الحديث
5أصول الفقه ص27
6الفقه الافتراضي بين أهل الرأي وأهل الحديث
7اصول الفقه ص28
8الفكر الاصولي 52
9أصول الفقه ص63:66

10الرسالة للشافعي ،ص589:600

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق