الخميس، 12 يونيو 2014

الدين والعلم.....محمد عبد الله دراز



إذا لم يكن تعاونٌ بين الدين والعلم، فلا أقل من "التفاهم وحسن الجوار" محمد عبد الله دراز

ينطلق دراز من فكرة أن دائرة, موضوع وغاية كل من العلم والدين مختلفان عن بعضهم البعض
غاية الدين : هي معرفة الخالق واستمداد الهداية منه ، وليس غايته معرفة الحقائق المادية للكون ،فهي وظيفة اعتقادية أخلاقية
فحقائق الدين ،حية ،دافقة ،دافعة،غايتها تغير حياتنا وهدايتنا
غاية العلم :اكتشاف الكون وتسخيره للانسان
والاكتشاف هي مسألة حيادية فلاتتضمن حكم أخلاقي ، فحقائق العلم ،بارده ،حيادية من الناحية الاخلاقية

ومهما يكن من أمر ،فالمعقول أنه ، ان لم يكن بين العلم والدين تعاون من قريب ولا بعيد ،كان بينهما على الاقل من التفاهم وحسن التجاوز مابين فروع الصناعات المختلفة ،فلا يعقل أن يكون هناك تعارض وتناقض بين أمرين لا اشتراك بينهما في موضوع واحد "1

فالثمرة التي يجنيها الدين من العلم ، فالعلم بما يحويه من اكتشاف لعالم الشهادة يمهد العقل للايمان بعالم بعالم الغيب ،لا الايمان بالخالق فقط وانما الايمان أيضا بصفاته ،العليم ،الحكيم ،الخبير ،اللطيف...

فانها بما تبدد من ظلام الاوهام وبما تبعث من النور في جوانب النفس ، تقوم بوظيفة تطهير وتنقية ،لابد منها لتهيئة جو عقلي صالح للاعتناق العقائد السليمة
"2
والثمرة التي يجنيها العلم من الدين الحق ،انه يكمل نقص العلم ويوسع الافق النظري الانساني ،فيما وراء الكون المادي

وهو لا يقصد هنا ،
الصراع الصوري
"الذي يستغل اسم العلم او الدين أحيانا ،ليكون ستارا للمقاصد الخفية ،والمطامح المختلفة ،من الثروة والنفوذ والجاه ،وسائر المصالح العاجلة "لان هذا الصراع هو يعكس مشكلة اخلاقية ،لا مشكلة فكرية
ولا الصراع الدائم بين النزعات الروحية والمادية ، فهو صراع دائم مستمر بين نزعات تهدف الى التضحية وضبط النفس والاعتدال ، واخرى مادية هدف الى الفوضى والاباحةوالاستثار

ولكنه يقصد الصراع الفكري" الذي يقع بحسن نية بين المعسكرين العلمي والديني ،فتقف كل واحد منهما موقف التكذيب والانكار عند الاخر "3
ولان الحق لا يناقض حق فلابد من وجود خلل ما ادى لهذا الصراع

ويرى
"دارز " ان الامر يحدث على صورتين
الصورة الاولى "أن يقف أحد الطرفين موقف المعارضة لما عند الآخر جملة ، لا بناء على حجة تدحضه ،اوشبهة تضعفه ،بل عفوا واعتباطا ،او لمجرد جهلة به، ظنا منه أن كل ما لم يدخل دائرة علمه في الحال فليست حقيقة"4
والسبيل لتجاوز ذلك هو ان يثبت كل فريق ما وصل اليه ، ولا ينكر مالم يصل اليه ، فالعلماء المتخصصون في فروع العلوم المختلفة ،يعتمدون النائج التي وصل اليها علماء متخصصون في فرع أخر ، ولا ينتظرون ان اي يعيدوا كلهم ما جربه او برهنه بعضهم ،فكذلك ينبغي أن يكون الشأن بين حملة العلوم والأديان

والقول بأن الدراسة العلمية هي وحدها طريق الوصول الى الحقائق اصبح الان ادعاء غير مقبول ، واصبح كبار العلماء يصرون الآن على أن العلم لا يعطينا معرفة الا معرفة جزئية عن الحقيقة
"5 كما يقول دوركايم عن العلم" ان هناك معان هي من مادة الحياة التي قد يفسرها العلم ، ولكن لا يخلقها ، وقد ينقب عن أطوارها ويتفهم نشأتها ، ولكن لا يستطيع أن يتجاهل وجودها او يدعي لنفسه أنه يحل محلها "6ولهذا فان لم يرغب العلم بايجاد علاقة تعاون مع الدين فعلى الاقل لابد ان يلتزم العلم الحياد فلا تعادي الاديان ولا تنكرها جملة واحدة
فهي في ذلك الحين تنكر بشكل ضمني لأمور واقعية تحتويها الاديان كلها ولا يحتويها علم من العلوم

الصورة الثانية :أن تكون هناك مسألة او مسائل معينة تنطلق فيها العلوم والأديان بحكمين متناقضين
ويظهر ذلك حينما تنتاول الاديان الى جانب العنصر الروحاني شيئا موضوعات العلوم وحقائق المشاهدات ،وتذهب مذهب معينا تفرضه على المتدينين بها فرضا

والحق لا يناقض حق ، وانما يتصادقا وبتناصرا ، اما وان تكاذبا ، فان هناك خطأ في أحدهما لا محالة

فاما ان يكون هناك خطأ في النص او فهمه ، او يكون هناك خطا في ما توصل اليه العلم

وهذا الجانب وان كان عرضيا في الدين ، وكان سبيله الوسائل لا المقاصد ، الا انه يعد معيارا لمقدار ما في كل دين من صحة او فساد ، على قدر اتفاقه او اختلافه مع مقررات العلم الصحيح وقضايا العقل السليم
.7

ولتحقيق هذة الفكرة يحتاج العلم ان يعرف غايته وأن يعرف ان له حدود فلا يحاول ان ينكر ما لا يستطيع الوصول اليه
وعلى الدين أن يتقبل حقائق العلم مادامت حقائق مبنية على شكل علمي مؤكد

كما نرى في المثال

لنفرض ان رجال الدين يرون أن الله عز وجل يصنع المد والجزر في البحار

فيكتشف العلماء ان سبب المد والجزر ، هي قوة الجاذبية في القمر ، والتكوين الجغرافي
.فعلى الدين تقبل هذا الكشف العلمي ،وليس عليه الاعتراض على هذا الكشف
وعلى العلم تقبل أن قوة الجاذبية والوضع الجغرافي ،هما ايضا من خلق الله ، والله عز وجل يستخدمهم كوسائل لتنفيذ ارادته وفعله

ولا يقبل ان يأتي العلم ليدعي ان هذا غير صحيح لان هذا خارج حدود العلم 8





المراجع
1
- الدين "بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان "-الدكتور محمد عبد الله دراز -الكويت -دار القلم
2-الدين في مواجهة العلم – وحيد الدين خان -ترجمة:ظفر الاسلام خان -بيروت-دار النفائس -ط4 ،1987
1الدين ص 75،76
2الجين ص75
3المرجع السابق ص76
4الدين ص76
5الدين في مواجهة العلم ص69
6الدين ص 77 ،" durkheim,formes elemenentaires p 614 “
7الدين ص78

8الدين في مواجهة العلم ص67

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق