الخميس، 12 يونيو 2014

اعادة صياغة اصول الفقه في ضوء مقاصد الشريعة






علم أصول الفقه :
اعتاد الباحثون في تعريف أصول الفقه على تناول التعريف من خلال مقامين

الاول: باعتباره مركبا اضافيا، يتكون من مفردتين (أصول ) و (فقه ) ثم يفيضون في بحث مفهوم الاصل ومفهوم الفقه
والثاني : باعتباره لقبا على العلم وهذا يقتضي دراسة مفهوم (أصول الفقه ) بالمعنى اللقب

ومن تعريفاته التي حاولت الجمع بينهم ، ما قاله ابو الحسين البصري
(ت436هـ)واما قولنا : أصول الفقه فانه يفيد على موجب اللغة ما يتفرع عليه الفقه ويفيد في عرف الفقهاء النظر في طرق الاستدلال بها وما يتبع كيفية الاستدلال بها " 1

مقاصد الشريعة :
المقصد او المقصود هو ما تتعلق به نيتنا او تتجه اليه اراداتنا عند القول والفعل
وعلى هذا فمقاصد الشريعة – أو مقاصد الشارع – هي المعاني والغايات والأثار والنتائج ،التي يتعلق بها الخطاب الشرعي والتكليف الشرعي ،ويريد من المكلفين السعي والوصول اليها
وللمقاصد مصدرين :الشرع من جهة والمكلفين من جهة أخرى
ولكن يجمعهما اتحاد المصب ،بحيث يجب أن تصب مقاصد المكلف حيث تصب مقاصد الشارع 2

ظهور دعوات لتجديد أصول الفقه بسبب الحاجه لذلك :
لان واقع الأمه بما يكتنفه من تراجع وثبات حضاري على مستويات متعددة ،يتطلب اعادة النظر في الأسس المنهجية المستندة عليها انتاج المعرفة القانونية والاجتماعية السلوكية حتى تستعيد نهضتها وفعلها الحضاري ،ولهذا وجهت نحو آليات النظر الأصولية ،اي :علم أصول الفقه “3

وقد انتقد الشيخ الطاهر بن عاشور علم أصول الفقه في تطوره التايخي ،واصفا اياه بالغفلة اياه "بالغفلة عن مقاصد الشريعة” ،وكتب أن الفقهاء “قصروا مباحثهم في الالفاظ الشرعية ، وعلى المعاني التي انبنت عليها الالفاظ ،وهي علل الاحكام القياسية “، وقد وافق عدد من العلماء المعاصرين الشيخ ، كالشيخ محمد أبو زهرة في كتابه عن الشافعي ، والشيخ عبد الله دراز في مقدمة شرحه لموافقات الشاطبي ان الفقهاء أغفلوا علم أسرار الشريعة ومقاصدها اغفالا “ 4
وقد أرجع الدكتور حسن الترابي هذا القصور الذي شهده الفقه الاسلامي الى غياب الفقاء التاريخي عن ادارة الحياة العامة وابعادهم المقصود عن شؤون السياسة بعد عهد الخلافة الراشدة "5

ويتحدث الدكتور طه جابر العلواني : فيقول عن فقه المقاصد :
يتأسس على مبدأ اعتماد الكليات التشريعية ،والبحث في غايتها وتحكيمها في فهم النصوص الجزئية وتوجيهها ،فهو نوع نادر من رد الجزئيات الى الكليات ،والفروع الى الأصول ،والعمل على الكشف عن مقاصدها وغاياتها. 6


اعتبار المقصد من وراء الأمر الشرعي

اي ما قصده الشارع بالنص وان تعارض أثره مع ظاهر النص -له أصولا مما أقره الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث (صلاة العصر في بني قريظة ، حيث التزم البعض بالنص ، في حين قام الاخرون بالصلاة في وقتها وقالوا ان المقصد كان الاسراع وليس الصلاة في بني قريظة7

اما عن اجتهاد الصحابة فيما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فعمر بن الخطاب رضي الله عنه نموذجا
وقد أفرد الدكتور جاسر عوده في بحثه ،فاكد انه اجتهد فأدرا الحكم مع مقصده كما ظهر في:
-حكم المؤلفة قلوبهم حين رفض اعطائهم الارض ، وقال انه كان يعطى لهم لان الاسلام كان قليل ،اما وقد انتفى المقصد وقد استتب الامر للمسلمين فلا داعي لاعطائهم شيئا 8
وفعل هذا في عدة مسائل منها
-حين الزم من اراد ان يحيى ارض موات ليتملكها ان يكون امامه ثلاث سنوات فقط ،9
-حين راعى مقصد العدالة في توزع الثروة في مسألتي الأرض المفتوحة وتخميس الثلث ،10
-وحين راعى مقصد عالمية الشريعة وخلودها في مسألة وعاء الزكاة11

وفي بحث الدكتور جاسر عودة في فقه المقاصد ، اناطة الاحكام الشرعية بمقاصدها
يقول ، بدوران الاحكام مع المقاصد بديلا عن الترجيح بين الاحاديث الصحيحة
فيفرق بين التعارض والتناقض ، فالتناقض :هو استحالة الجمع بين المتعارضين ،اما التعارض فهو الاختلاف
ويقول بدوران الاحكام مع المقاصد بديلا عن النسخ بالرأي المجرد:
فقال بأن نسخ آيات القرآن التي بين أيدينا-وبالتالي الغاء الاحكام الشرعية التي تترتب عليها ،لم يثبت،وانام ثبت ان هناك آيات ناسخات -وليس منسوخات – الغت بعض الشرائع والاعراف السابقة على الاسلام

-لزوم الصحابة رضي الله عنهم اتباع الاحدث ،فالاحدث من امر رسول الله -صلى الله عليه وسلم -حال ملازمته لهم ، لان الامر الاحدث كانهو الانسب للحظة والظرف ،الا ان هذا الاتباع لم يستلزم منهم -ولايستلزم منا ،الغاء الامر الاول نهائيا مالم ينص على ذلك
نتائج البحث تكتب


ويحتاج الامر الى ضبط شديد ،فلابد أن يراعى التفريق بين العبادات والمعاملات، من ناحية الالتفات إلى المعاني والعلل والمقاصد من وراء التكليف لكل منهما،
كما ذكر الامام الشاطبي في كتابه «الموافقات» هذه القاعدة، في المسألة الثامنة عشرة من مقاصد وضع الشريعة للامتثال، وهي أن الأصل في العبادات بالنسبة إلى المكلف التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وأصل العادات (المعاملات) الالتفات إلى المعاني، فالأصل في العبادات التعبد والتزام النص (مع ما في العبادات من حكم وأسرار أيضاً)، وأن الأصل في العادات والمعاملات الالتفات إلى المعاني والمقاصد.12

ولابد أن يراعى الملاءمة بين الثوابت والمتغيرات ،فالثوابت لا يمكن المساس بها باي حال ولا يدخلها الاجتهاد ولا التجديد ولا التطوير ،اما المتغيرات فالدائة هاهنا تقبل الاجتهاد والتجديد والتطوير




...
المراجع
1-علاقة علم أصول الفقه بعلم المنطق ،وائل بن سلطان الحارثي، بيروت ، مركز نماء للبحوث والدراسات ، الطبعة الاولى 2012
2-فقه المقاصد ،اناطة الاحكام الشرعية بمقاصدها ،د.جاسر عودة،فرجينيا ،المعهد العالمي للفكر الاسلامي ،الطبعة الثالثة 2008
3-نظرية التجديد الأصولي من الاشكال الى التحرير ،د.الحسان شهيد،بيروت ، مركز نماء للبحوث والدراسات ، الطبعة الاولى 2012
4-الاجتهاد المقاصدي من التصور الاصولي الى التنزيل العملي ، د.جاسر عودة ،بيروت ، الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، الطبعة الاولى 2013
5-نحو التجديد والاجتهاد ،مراجعات في المنظومة المعرفية الاسلامية ، أولا :الفقه وأصوله ، الدكتور طه جابر العلواني، القاهرة ،دار تنوير للنشر والتوزيع ،الطبعة الاولى 2008
6- مدخل الى مقاصد الشريعة ، أحمد الريسوني، المنصورة ،دار الكلمة للنشر والتوزيع ،الطبعة الثالثة 2014
7-الموافقات في أصول الشريعة ،لابي اسحاق الشاطبي ،تخريج أحمد السيد علي ،وشرح الشيخ عبد الله دراز ، القاهرة ،المكتبة التوفيقية

1-الحارثي، علاقة علم أصول الفقه بعلم المنطق {2}
2مدخل الى مقاصد الشريعة ص9
3نظرية التجديد الأصولي ص 39 ،40
4الاجتهاد المقاصدي ص65
5الاجتهاد المقاصدي ص66
6نحو التجديد والاجتهاد ص178
7الاجتهاد المقاصدي ص46 ،47،48
8المرجع السابق ص50،51،52
9المرجع السابق ص53،54،55
10المرجع السابق من ص 55 :ص60
11المرجع السابق ص 60 ،61،62

12الموافقات ،الجزء الثاني من ص256:264

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق