الخميس، 12 يونيو 2014

علاقة المدرسة الوسطية بمقاصد الشريعة





الوسطية : يقول الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي: (إِنَّ الْمَفْهُومَ الْإِسْلَامِيَّ لِلْوَسَطِيَّةِ، لا يلغِي الطَّرَفَيْنِ؛ لِيَتَكَوَّنَ مِنْهُمَا حدٌّ ثَالِثٌ، وَإِنَّمَا يَبْقَى فِيهِ الطَّرَفَانِ مُتَجَاوِرَيْنِ، وَيَحْتَفِظُ كُلُّ طرفٍ بوجُودِهِ، وذلك مما يتفق مع الطبيعة البشرية التي ينتقل فيها الإنسان من حال إلى حال، ويختار بين المفترقات أو المتناقضات، بحسب دوافعه النفسية وحاجات الزمان أو المكان وظروفهما.
وَلَعَلَّ مِنْ خَصَائِصِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْوَحْيُ الْإِلَهِيُّ، القرآن الكريم، أنها في معنى الوسطية، لا تنحو منحى مادياً في اعتبار الوسط موقعاً بين طرفين، أو درجة بين الأعلى والأدنى.
بل يظهر في معنى الوسطية اللغوية أنها الفضل والعدل والأجود، كما يظهر فيها أيضاً بدلالة اللغة أنها الوسط بين طرفين، وبذلك يكون اللفظ جامعاً لمعان عديدة، ما يسهم في فهم شامل لمعنى الوسطية الإسلامية، وفي بيان مجالات تطبيقها، بحيث تصبح الأمة الوسط في الآية الكريمة{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]؛ هي أمة الخير، والعدل، والشهادة، والتوسط بين الأمور)"1
المقاصد :الغايات والعِلَل والحِكَم التي تناط بها الأحكام الشرعية فيما يتصل بالعقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق والآداب2
موضوع علم المقاصد : هو المصالح والمفاسد والأحكام الشرعية؛ فالمصالح من حيث جلبها والمحافظة عليها وبيان مراتبها ومراتب ما تجلب به ويحافظ به عليها؛ والمفاسد من حيث دفعها ودفع ما يدعو إليها؛ والأحكام من حيث جلبها للمصالح ودفعهاللمفاسد3

ويقسم الدكتور يوسف القرضاوي مدارس فقه المقاصد الى ثلاث مدارس
1- مدرسة "الظاهرية الجدد" فقه النصوص بمعزل عن المقصد
سماتها وخصائصها :
1- حرفية الفهم والتفسير.
2- الجنوح إلى التشدد والتعسير.
3- الاعتداد برأيهم إلى حد الغرور.
4- الإنكار بشدة على المُخالفين.
5- التجريح لمخالفيهم في الرأي إلى حد التكفير
6- عدم المبالاة بإثارة الفتن الدينية والمذهبية وغيرها.
مرتكزاتها :
1-الاخذ بظواهر النصوص، دون التأمل في معانيها وعللها ومقاصدها.
2-
انكار «تعليل الأحكام» بعقول الناس واجتهادهم.
3-
أتهام الرأي وعدم استخدامه في الفهم والتعليل، بل يدينونه ولا يرون استخدامه في فهم النصوص وتعليلها.
4-
أنتهاج التشدد في الأحكام4

2- ويقابلها مدرسة "المعطلة الجدد" تعطيل النصوص باسم المصالح والمقاصد

سماتها وخصائصها :
1- الجهل بالشريعة
2-الجرأة على القول بغير علم
3- التبعية للغرب

ومرتكزاتها :
1- اعلاء منطق العقل على منطق الوحي
2- ادعاء ان عمر بن الخطاب عطل النصوص باسم المصالح (دعوى الغاء سهم المؤلفة قلوبهم )
3- مقولة نجم الدين الطرفي (اذا تعارض النص القطعي في ثبوته ودلالته مع المصلحة :قدمنا المصلحة ،وعلقنا النص وجمدناه، لأن الاصل :ان الشرع جاء لتحقيق مصالح الناس فلايتصور ان يعود عليها بالنقض والابطال "
4 – مقولة "حيث توجد المصلحة فثم شرع الله "5

3- المدرسة الوسطية :الربط بين النصوص الجزئية والمقاصد الكلية
ويعرفها بأنها
:”وثالثة المدارس، وهي التي تسير على النهج الوسط للأُمة الوسط، فهي وسط بين المدرستين السابقتين، فلا تغلو مع الغالين، ولا تُفرط مع المفرطين، إنها مدرسة «الصراط المستقيم» التي ترفض التطرف والتسيب كليهما، وتؤمن بالتوازن والاعتدال، وتعمل بموجب قول الله تعالى {ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} (الرحمن: 8-9). 
فهذه هي الوسطية القُرآنية، لا طغيان في الميزان، ولا إخسار فيه
.” 6
سماتها وخصائها :
1- ايمانها المطلق – الذي لاريب فيه – بحكمة الشريعة في كل ما جاءت به من أحكام ، وان لها في كل ما شرعته ،مقصدا تهدف الى تحقيقه يتضمن خير الخلق ومصلحتهم في الدنيا والاخرة
2- ربط النصوص الشرعيه واحكامها بعضها ببعض
3- النظرة المعتدلة في كل أمور الدين والدنيا
4- وصل النصوص بواقع الحياة والعصر
5- تبني خط التيسير
6- الانفتاح على العالم والحوار والتسامح

ومرتكزاتها :
1- البحث عن مقصد النص قبل اصدار الحكم
2- فهم النص في ضوء أسبابه وملابساته
3- التمييز بين المقاصد الثابته والوسائل المتغيرة
4- الملاءمة بين الثوابت والمتغيران
5- التمييز في الالتفات الى المعاني بين العبادات والمعاملات7

ويظهر الاختلاف بين منهج (الاختزال ) في المدرسة الظاهرية ، حيث ينظر أصحابها الى النصوص نظرة جزئية ،تتبنى مفاهيم منفصلة ليس بينها روابط
ومنهج المدرسة الوسطية التي ترفض هذا الاختزال وتحاول احداث التوازن
وتختلف عن اتجاه (ما بعد الحداثة ) في مدرسة المعطلة التي تعطل النصوص باسم المصالح والمقاصد حتى انها تعارض اركان الاسلام والحدود باسم المصالح ولا توجد ضوابط لديها

فان المدرسة الوسطية تحاول ان تضبط هذا الأمر ويظهر هذا في مرتكزاتها
1-الملاءمة بين الثوابت والمتغيران
فالثوابت لا يمكن المساس بها باي حال ولا يدخلها الاجتهاد ولا التجديد ولا التطوير (تختلف هنا عن مدرسة المعطلة الجدد)اما المتغيرات فالدائة هاهنا تقبل الاجتهاد والتجديد والتطوير (تختلف عن المدرسة الظاهرية )

2- التمييز في الالتفات الى المعاني بين العبادات والمعاملات
 فمن مرتكزات المدرسة الوسطية أنها تتبنى هذه القاعدة المهمة التي نبه عليها الإمام الشاطبي ، وهي التفريق بين العبادات والمعاملات، من ناحية الالتفات إلى المعاني والعلل والمقاصد من وراء التكليف لكل منهما، وتدليله على ذلك، فقد ذكر في كتابه «الموافقات» هذه القاعدة، في المسألة الثامنة عشرة من مقاصد وضع الشريعة للامتثال، وهي أن الأصل في العبادات بالنسبة إلى المكلف التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وأصل العادات (المعاملات) الالتفات إلى المعاني، فالأصل في العبادات التعبد والتزام النص (مع ما في العبادات من حكم وأسرار أيضاً)، وأن الأصل في العادات والمعاملات الالتفات إلى المعاني والمقاصد.8
والمدرستين تتفق على عدم التفريق بينهم ، فينتج عن الاولى جمود شديد ،وعن الثانية تفريط شديد
وتحاول مدرسة الوسطية أن تتجاوز هذه الاشكالية واحداث توازن بينهم




…...
المراجع :
1- دراسة في فقه مقاصد الشريعة ،بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية ،د.يوسف القرضاوي ،القاهرة،دار الشروق ،الطبعة الثالثة 2008
2-الموافقات في أصول الشريعة ،لابي اسحاق الشاطبي ،تخريج أحمد السيد علي ،وشرح الشيخ عبد الله دراز ، القاهرة ،المكتبة التوفيقية
3- مقالة ،المسلك الوسطي لفقه المقاصد ،تامر بكر، مجلة البيان،العدد 308 بتاريخ 2-5-2013 ، http://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=2586
4-: مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، مكتبة الوحدة العربية، الدار البيضاء، المغرب
1المسلك الوسطي لفقه المقاصد ،نقلا عن تسجيل صوتي لمُحَاضرة للشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي بعنوان: «الأمة الوسط والمنهاج النبوي في الدعوة إلى الله»، وقد ألقيت في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران في 17/ 6/ 1418 هـ.
2 مقاصد الشريعة لعلال الفاسي ( 3/165)
3المسلك الوسطي لفقه المقاصد
4دارسه في فقه مقاصد الشريعه ص51:66
5المرجع السابق ص83:117
6المرجع السابق ص 137
7المرجع السابق من ص145:215

8الموافقات ،الجزء الثاني من ص256:264

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق