الخميس، 12 يونيو 2014

الوسائل المتغيرة والاهداف الثابتة







المقاصد او الاهداف الثابتة هاهنا : تلك الأحكام التي هي مقصودة لذاتها ، محرمة لذاتها او واجبة لذاتها
فموارد الأحكام تنقسم الى قسمين
1- المقاصد وهي المتضمنة للمصالح والفماسد في أنفسها
2-
وسائل وهي الطرق المقضية اليها
:
كما يقول الامام القرافي،"وموارد الأحكام على قسمين مقاصد وهي متضمنة للمصالح ، والمفاسد في أنفسها ، ووسائل وهي الطرق المفضية اليها ،وحكمها حكم ما أقضت اليه من تحريم وتحليل غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها ، والوسيلة الى أفضل المقاصد أفضل الوسائل ، والى أقبح المقاصد أقبح الوسائل ، والى ما يتوسط متوسطة1 "
ومما سبق تظهر العلاقة بين المقاصد والوسائل ، في قاعدة أن للوسائل أحكام المقاصد


كما يقول ابن القيم الجوزية :
ما كانت المقاصدُ لا يُتوصَّلُ إليها إلاَّ بأسبابٍ وطُرُقٍ تُفضي إليها، كانت طُرُقُها وأسبابُها تابعةً لها معتبرةً بها، فوسائلُ المحرَّمات والمعاصي في كراهتها والمنعِ منها بحَسَب إفضائها إلى غاياتها وارتباطها بها، ووسائلُ الطاعات والقُربات في محبِّتها والإذن فيها بحَسَب إفضائها إلى غاياتها، فوسيلةُ المقصود تابعةٌ للمقصود وكلاهما مقصودٌ، لكنَّه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل2"
فالمقصود هنا إذا كانت للوسائل أحكام المقاصد
فإذا كانت الوسيلة تؤدي إلي واجب فهي واجبة

ووسيلة المباح مباحه

ووسيلة المحرم محرمة

ووسيلة مكروه مكروهة

تنقسم الوسائل من حيث قربها من المقصد الشرعي إلى قسمين:
وسائل المقاصد.. ووسائل إلى وسائل المقاصد
وقد فصّل العزّ بن عبد السلام هذين القسمين فقال: «أحدهما: وسيلة إلى ما هو مقصود في نفسه، كتعريف التوحيد، وصفات الإله، فإن معرفة ذلك من أفضل المقاصد والتوسل إليه من أفضل الوسائل.والقسم الثاني: ما هو وسيلة إلى وسيلة كتعليم أحكام الشرع؛ فإنه وسيلة إلى العلم بالأحكام التي هي وسيلة إلى إقامة الطاعات، التي هي وسائل إلى المثوبة والرضوان، وكلاهما من أفضل المقاصد"3ففي الآيات
مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(121)4فهنا جاز الله المؤمنين بالثواب الجزيل ليس لأنهم وصلوا للعدو وقاتلوه بل للوسائل التي اتخذوها في سبيل ذلك مثل النفقة وقطع الوادي والنصب وكل ذلك من قبل أن يصلوا إلي عدوهم
والجهاد ليس هو مقصد في ذاته ، بل المقصود هو صون دماء المسلمين وإعزاز الدين الحنيف

فالجهاد وسيلة إلي هذا المقصد

والتعب والنصب وسيلة لوسيلة

وإذا كانت القاعدة الرئيسية هي "للوسائل أحكام المقاصد " تتفرع عنها بعض القواعد منها :
القاعدة الأولى "ما لا يتم به الواجب فهو واجب "
وهو ما يعبر عنه الأصوليين بمقدمة الواجب

قال القرافي
: (وعندنا وعند الجمهور، ما لا يتم الواجب المطلق إلا به وهو مقدور للمكلف فهو واجب لتوقف الواجب عليه)5
مثال
:واجب الانفتاح على وسائل الإعلام لنشر الدعوة ،فاقتحامنا لهذا المجال أساس وواجب ، لان الدعوة الى الله واجبة ،وبالتالي الانفتاح على وسائل الإعلام واجبة

القاعدة الثانية : “ما لا يتم الحرام إلا به فيجب تركه "
مثال
: شرب الخمر محرم لذاته ولكن توجد أحاديث تلعن ساقي الخمر وعاصرها ...الخ
وهؤلاء وسائل للوقوع في شرب الخمر ،وقد دخلوا في اللعن لأنهم يوصلون للوقوع للفعل المذموم وهو شرب الخمر
.

القاعدة الثالثة :”ما حرّم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة "
وهذا استثناء للقاعدة الأصلية
فيقول العز بن عبد السلام
(ربما كانت أسباب المصالح مفاسد فيؤمر بها أو تباح ، لا لكونها مفاسد ، بل لكونها مؤدية إلى المصالح ، وذلك كقطع الأيدي المتآكلة حفظًا للأرواح ، وكالمخاطرة بالأرواح في الجهاد ، وكذلك العقوبات الشرعية كلها ليست مطلوبة لكونها مفاسد ، بل لكون المصلحة هي المقصودة من شرعها كقطع يد السارق وقاطع الطريق ، وقد سُمِّيَتْ مصالح من قبيل المجاز بتسمية السبب باسم المسبب)6




وفي واقعنا الاسلامي المعاصر تظهر مشكلة الخلط بين المقاصد والوسائل ، فيقول القرضاوي :أن بعض الناس خلطوا بين المقاصد والأهداف الثابتة التي تسعى السنة إلى تحقيقها، وبين الوسائل الآنية والبيئية التي تعينها أحيانا للوصول إلى الهدف المنشود.  فتراهم يركّزون كل التركيز على هذه الوسائل كأنها مقصودة لذاتها، مع أن الذي يتعمق في فهم السنة وأسرارها يتبين له أن المهم هو الهدف وهو الثابت والدائم ، والوسائل قد تتغير بتغير البيئة أو العصر أو العرف أو غير ذلك من المؤثرات7".

مثال : الطب النبوي
فيركز الدراسين للسنة -المهتمين بالطب النبوي -يركوزن على الادوية والاعشاب وغيرها مما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم ،للتداوي به في علاج بعض العلل ويذكرون الاحاديث المعروفة مثل :
خير ما تداويتم به الحجامة 8"
في الحبة السوداء شفاء من كل داء الا السأم "9
ويرى الدكتور القرضاوي
" ان هذه الوصفات وما شابهها ليست هي روح الطب النبوي ، بل روحه المحافظة على سلامة جسمه وقوته ،وحقه في الراحة اذا تعب ،وفي الشبع اذا جاع ، وفي التداوي اذا مرض، وأن التداوي لا ينافي الايمان بالقدر ولا التوكل على الله" (الأهداف الثابتة )
"
وأن لكل داء دواء ، واقرار سنة الله في العدوى ، وشرعية الحجر الصحي ، والعناية بنظافة الانسان والبيت والطريق ،وتحريم كل مايضر الانسان من غذاء وشراب ، وتحريم ارهاق الجسم الانساني ولو في عبادة الله تعالى ، وتشريع الرخص حفظا للأبدان والمحافظة على الصحة النفسية بجوار الصحة الجسدية ، الى غير ذلك من التوجيهات التي تمثل حقيقة الطب النبوي الصالح لكل زمان ومكان 10" (عن طريق استخدام الوسائل المتغيرة )
"
فالوسائل قد تتغير من عصر الى عصر ومن بيئة لاخرى ،فاذا نص الحديث على شيء منها فانما ذلك لبيان الواقع لا ليقيدنا بها ، ويجمدنا عليها "11فالذهاب للمستشفيات للتداوي والخضوع للادوية التي لم تكن موجودة في العصر النبوي ولم تذكر في الاحاديث (هي الوسائل المتغيرة التي توصل للمقصد الثابت )

وحتى لو نص القرآن على وسيلة مناسبة لوقت معين فلا يعني هذا ان علينا أن نلتزم بها

مثال :الجهاد:
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ " 12فلا يفهم من هذا ان المرابطة في وجه الأعداء تكون بالخيل كما نص القرآن عليها ،بل أسلحة العصر وأدواته من دبابات ومدرعات وطائرات...الخ
وفي الحديث
"الخيل معقود بنواصيها الخير الى يوم القيامة :الأجر والمغنم "13، ينبغي ان يطبق على كل وسيلة تستحدث ،تقوم مقام الخيل ، أو تتفوق عليها بأضعاف مضاعفة
ومثل ذلك ما جاء في فضل
"من رمى بسهم في سبيل الله فله كذا وكذا14 "فهو ينطبق هاهنا على الرمي بالسهم او البندقية او المدفع او الصاروخ او اي وسيلة أخرى يخبئها ضمير الغائب 15
____المراجع :
1-
كيف نتعامل مع السنة النبوية ، د
.يوسف القرضاوي ،القاهرة ،دار الشروق ، الطبعة الثانية 2002 م
2-الفروق المسمى أنوار البروق في أنواء الفروق-المجلد الثاني ،للامام أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي،دراسة وتحقيق مركز الدراسات الفقهية والاستراتيجية ، القاهرة ،دار السلام ،الطبعة الأولى 2001

3- القواعد الكبرى الموسوم بـ : قواعد الأحكام في إصلاح الأنام ، للامام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، تحقيق: نزيه كمال حماد - عثمان جمعة ضميرية ،دمشق ،دار القلم ، 2000
4-- ابن القيم، شمس الدين محمد بن أبي بكر: إعلام الموقعين، ترتيب: محمد عبد السلام إبراهيم،الطبعة الاولى بيروت: دار الكتب العلمية، 1991م
5-شرح تنقيح الفصول،الامام القرافي ، تحقيق طه عبد الروؤف سعد ،القاهرة ،شركة الطباعة الفنية المتحدة ، الطبعة الأولى 1973
6- مقالة ،المقاصد والوسائل ، ا.رياض الدهمي ، http://www.alrashad.org/issues/11/11-Adhami.htm
7-
مقالة ،لزوم التفرقة
.. بين الأهداف الثابتة والوسائل المتغيرة.،هشام علي



1الفروق ص61
2اعلام الموقعين
3قواعد الاحكام1/92
4التوبة ،120:121
5تنقيح الفصول ص158
6قواعد الأحكام 1/12
7-كيف نتعامل مع السنة النبوية ص159
8رواه أحمد والطبراني والحاكم وصححه عن سمرة وذكره في صحيح الجامع الصغير
9متفق عليه كما في اللؤلؤ والمرجان (1430)
10كيف نتعامل مع السنة النبوية ص160
11المصدر السابق ص160
12الأنفال60
13رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن عروة البارقي واحمد ومسلم والنسائي عن جرير ،صحيح الجامع الصغير (3353)
14انظر الحديث الذي رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والطبراني والحاكم عن عمرو بن عبسة والحديث الاخر الذي رواه الترمذي والنسائي والحاكم عن ابي نجيح في صحيح الجامع الصغير (6267 و6268)

15كيف نتعامل مع السنة النبوية ص160:161

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق