الخميس، 12 يونيو 2014

قضية تطبيق الشريعة وأمثلة




قضية تطبيق الشريعة هي أحدى الاشكاليات التي تواجه العقل المسلم ، و يظهر علم المقاصد لمحاولة تجاوز هذه الاشكالية
ولنبدأ اولا بتوضيح عدة مفاهيم

اولا :مفهوم الشريعة
"الشريعة كما في القاموس وشرحه : ماشرعه الله تعالى لعباده من الدين ،اوما سنه من الدين وأمر به :من العبادات :كالصوم والصلاة والحج والزكاة ،وسائر أعمال البر، ومن المعاملات التي لا تتم حياة الناس الا بها :كالبيوع والانكحة وغيرها ،كما قال الله تعالى :(ثم جعلناك على شريعة من الأمر ) (الجاثية :18 )”1

كلمة "الشريعة" في اطلاقنا اليوم
يرى العلماء اليوم أنها تعني أحد مفهوميين
الاول :الدين كله بعقائده وشعائره وآدابه وأخلاقه وتشريعاته ومعاملاته
الثاني : الجانب التشريعي العملي في الديم ،مثل: العبادات ،والمعاملات ،بما يشمل :شؤون الصلة بالله تعالى والتعبد له ، كما يشمل شؤون الاسرة او "الأحوال الشخصية" وشؤون المجتمع ،وشؤون الأمة الكبرى ،وشؤون الدولة والحكم ، وشؤون العلاقات الدولية.2

مقاصد الشريعة :يراد بها الغايات التي تهدف اليها النصوص من الأوامر والنواهي والاباحات وتسعى الأحكام الجزئية الى تحقيقها في حياة المكلفين ،أفرادا واسرا وجماعات وامة 3

ويمكن تعريف تطبيق الشريعة الاسلامية :
"
هو عبارة عن مجموعة من الوسائل والآليات التي تصل بنا الى التطبيق السليم والكامل للاسلام ، وتحقيق مقاصده على خير وجه ممكن دون نقص أو زيغ او ظلم او مطل في حق "4

ومن العقبات التي تقف في وجه تطبيق الشريعه
هي الجمود الفكري والتعصب المذهبي ،حيث جمد كثير من الفقهاء المنتسبين الى أقوال أئمتهم ،فكل فقيه ينتسب الى امام من الائمة ،يرى أن مذهبه هو الدين الذي لا يجوز تجاوزه 5

ويمكن تجاوزها
1- البحث عن مقصد النص قبل اصدار الحكم
2- فهم النص في ضوء أسبابه وملابساته
3- التمييز بين المقاصد الثابته والوسائل المتغيرة
4- الملاءمة بين الثوابت والمتغيران
5- التمييز في الالتفات الى المعاني بين العبادات والمعاملات6

كما ان من الاشكاليات في فهم الشريعة كما يقول الدكتور الشنقيطي
كما نحتاج إلى أن ندرك أن الشريعة ليست قانونا ولا فقها، بل هي مصدر للفقه والقانون، ولذلك من الممكن أن يتغير الفقه والقانون دون خروج على الشريعة، وليس من اللازم أن يكون لكل قانون مستند نصي في الشريعة ليكون قانونا إسلاميا، فكل قانون يحقق مصلحة شرعية ولا يناقض نصوص الشريعة فهو من الشريعة.
وقد عبر عن هذا المعنى كبير علماء موريتانيا في القرن العشرين الشيخ محمد سالم بن عبد الودود -رحمه الله- تعبيرا يدل على بصيرة شرعية وحصافة عملية، فقال إن ما نحتاج إليه اليوم ليس "تقنين الفقه" بل "تفقيه القانون". وهو يقصد أن كل ما نحتاج إليه هو تشذيب القوانين الموجودة -بغض النظر عن مصدرها- وغربلتها وإكسابها الخلقية الإسلامية من خلال عرضها على قطعيات الوحي، لأن جل ما نسميه اليوم قوانين وضعية لا يناقض نصا شرعيا، وهو يحقق مصالح العباد، ويطابق روح الإسلام ومقاصد الشريعة في حفظ العقائد والأنفس والأموال والأعراض، ولا معنى لرميه في المزبلة أو وصمه بالكفر والزيغ.” 7

ويرى الدكتور الشنقيطي أن تطبيق الشريعة يحتاج الى :
- يستلزم تبنّيا لمفهوم الشريعة بالمعنى القرآني الواسع، وترجيحا للقيم الكلية على القوانين الجزئية، وإدراكا لمكامن التعطيل دون تعميم أو تهويل، واعترافا بالخلل المتوارث من تجربتنا التاريخية بدل التركيز على الخلل المستحدث على يد المستعمر والدولة العلمانية التي ورثنا إياها، وتمييزا بين العنصر الخالد والعنصر التاريخي من الموروث الديني، وتصالحا مع الذات ومع بقية الإنسانية، واندفاعا إلى المستقبل بدل الانشداد إلى الماضي، وما نحتاجه اليوم هو التقدم إلى الإسلام، وليس الرجوع إليه "لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر" (سورة المدثر، الآية 37).8

مثال 1: قضية الديمقراطية وتطبيق الشريعه
: الديمقراطية تطبيق للشق الدستوري من الشريعة الذي وقع عليه الحيف تاريخيا، وهي السبيل إلى تنزيل جزئيات الشريعة على حياة الناس لاحقا، بمنهج تربوي حكيم يراعي نضج الظروف واستعداد المجتمع، ويحمّل الناس مسؤولياتهم، ويحترم اختيارهم.
فأولى خطى تطبيق الشريعة اليوم هي بناء دولة ديمقراطية حرة، ذات سلطة شرعية منتخبة، تسوي بين الحاكم والمحكوم أمام القانون، وتجرّم الاستبداد والفساد، وتسوي بين مواطنيها في الحقوق والواجبات بغض النظر عن دينهم ومذهبهم وعرقهم ولغتهم.
فالشرعية السياسية هي أهم أحكام الشريعة، وحكم القانون والمساواة أمامها مقدمان على نوع القانون ومصدره، وأي تطبيق لقوانين الشريعة غير مؤصل تأصيلا عميقا، أو غير مراعٍ لسياق الزمان والمكان، أو غير منسجم مع مستوى استعداد الناس ونضج المجتمع سيجعل قوانين الشريعة منافية لقيم الشريعة، علما بأن القوانين خادمة للقيم، وليس العكس.9

ويقترح الدكتور جاسر عودة هذا المنهج للتطبيق على القضايا المعاصرة
1- حصر كل النصوص المتعلقة بكل قضية من الكتاب والسنة وذلك لتجنب النظرة الجزئية الأحادية الأبعاد
2- الرجوع الى المصادر المعتمدة لتحقيق نصوص الأحاديث ،وتحديد ما صح منها فيعتبر وما اختلف فيه فيبحث له عن شواهد صحيحية ،وماهو من الضعيف بحيث لا يرقى لمصاف الادلة المعتبرة فيهمل
3- عدم جواز اعتبار اي حديث صح سنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجوحا -وبالتالي ليس دليلا -لمجرد تعارضه الظاهري مع غيره من النصوص فضلا عن تعارضه مع أراء بعض العلماء ايا كانوا
4- جواز اعمال الترجيح بين حديثين صحيحين بالطرق التي حققها علماء الحديث اذا ثبت منطقيا تعارضهما وتناقضهما في نفس الأمر وهو ما يعني أن خطأ قد حدث من طريق راو او أكثر من الرواة، فيرجح الأحفظ والأفقه فهكذا .
5- استبعاد ما نسخ من الاحكام في عهد التشريع من الحكم النهائي ، ولكن النسخ بمعن الالغاء المؤبد حق للشارع وحده ،ولا يجوز القول بالنسخ اجتهادا لحل التعارض الظاهري ،او القول بالنسخ لمجرد تأخر دليل عن غيره من الأدلة او حادثة عن غيرها من الحوادث، الا ان تدل عبارة النص على تغيير الحكم وعلى تأييد هذا التغيير
6-حصر ما ورد من اراء الصحابة والعلماء والمذاهب الاسلامية جميعا ،وتحليلها ومقارنتها ووضعها في سياقها التاريخي والجغرافي الصحيح
7- محاولة استقراء الظروف السياسية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية والنفسية التي احاطت بالاحاديث الشريفة ،وذلك حتى يمكن فهم هذه الاحاديث فهما دقيقا
8-بذل الجهد في استنباط المقاصد والعلل الجزئية التي استهدفتها النصوص ،الا ما كان من أحكام تتعلق بحقوق الله الخالصة أو يقصر العقل عن تعليلها ،فتقع التحت باب العبادات المحض ،وهي الأحكام التي لايصح فيها الا الاتباع الحرفي التعبدي
9-محاولة فهم الواقع الحالي الذي سيطبق فيه الحكم الشرعي بعيدا عن أهواء العامة ورغبات السياسين وجمود الجامدين
10-شمول الحكم النهائي لجميع النصوص الصحيحة المتعلقة بالمسألة بحيث يضعها في اطار من مقاصدها الشرعية والمصالح التي رمت اليها والمفاسد التي احترزت منها وذكر الحكم مع مقصده اولى ،حتى يدير المجتهد الحكم مع هذا المقصد ان اختلفت صور التطبيق في هذه الدنيا السريعة التغيير10 ص92:94 ،الاجتهاد

مثال 2:
المرأة في الاسلام
قضية اسلام المرأة دون زوجها نموذجا :
فبعد
1- حصر النصوص الصحيحة دون غيرها
2- ترجيحات لا منص منها
3- تلخيص التعارض
الممتحنة حرمة الزواج ابتداء وليس بقاء
4- تلخيص لكل الاراء في المسألة
5- نسخ ام اختلاف للحكم باختلاف الحال
6- اعتبار مقاصد النصوص
يتضح انه لا اجماع في هذه المسألة ، وقد اتفقوا على ان آية الممتحنة تحرم الزواج ابتداء واختلفوا على التفريق بين المسلمة التي تسلم دون زوجها (الزواج القائم )11

وباعتبار المقاصد في هذه المسألة ،
فاذ ااعتبرنا أسباب نزول اية الممتحنة بعد صلح الحديبية وجدنا المقصد عدم رد المؤمنات الى ازواجهم هو حماية دين المسلمات وتجنيبهن أن يكرهن على الردة او يضرن بسبب اسلامهم ، واذا كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ،فان السبب هو الذي يمكننا من فهم مدلولات اللفظ وعمومه من خصوصه ،وعليه فان أوذيت المسلمة الجديدة وأضر زوجها بها فلابد من دعمها في التفريق بينهما ،اما اذا كان الرجل ذو خلق فالحال يختلف ، ولو نظرنا الى الظروف النفسية التي تحيط بالأحاديث المذكورة – التي أدعي نسخها – وبالحالات الواقعية لوجدنا علاقات زوجية حميمة واولادا ، ولظهر ان ضرر سيصيب البيت اذا عجل بالفراق بمجرد الاسلام ، واذا كان الزوج محبا لها وغير مؤذي فان المسألة مسألة وقت حتى يدخل في الاسلام
واذا أخذنا في الاعتبار واقع المسلمات الجديدات في عالمنا المعاصر- خاصة في الغرب- وجدنا ان عثورهم على زوج متفهم مسألة صعبة جدا ، وقد ينتهي الامر بهم للزواج بمسلم مهاجر لا يريد الا متعة وقتيه او اواراق رسمية للحصول على الجنسية
وفي معظم الحالات ،ينتهي الامر بحالات طلاق كثيرة حتى تحصل على زوج جيد ، ويسىء هذا الى صورة الاسلام في اسرتها ويضر باولادها
ولذلك فان الاخذ بالرأي الذي يخير المرأة تيسيرا وتخفيفا أقرب الى المصلحة والى مقاصد الاسلام في الحفاظ على الاسرة والدعوة الى الله12



…...........
المراجع
1- دراسة في فقه مقاصد الشريعة ،بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية ،د.يوسف القرضاوي ،القاهرة،دار الشروق ،الطبعة الثالثة 2008
2- - دكتور عمر سليمان عبد الله الأشقر، معوقات تطبيق الشريعة الاسلامية، 1992، دار النفائس بيروت
3- - عاطف أبوهربيد ، 2009، مفهوم تطبيق الشريعة الاسلامية. ورقة عمل، جمعية القدس للبحوث والدراسات الاسلامية.
4--الاجتهاد المقاصدي من التصور الاصولي الى التنزيل العملي ، د.جاسر عودة ،بيروت ، الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، الطبعة الاولى 2013
5-تطبيق الشريعة في مجتمعات حرة ،د.محمد الشنقيطي ،مقالة منشورة ، http://www.aljazeera.net/opinions/pages/100fa216-3866-47a5-8e47-2e37598b464e

1دراسة في فقه مقاصد الشريعة ص18
2المرجع السابق ص19\20
3المرجع السابق ص20
4مفهوم تطبيق الشريعة الاسلامية
5معوقات تطبيق الشريعة الاسلامية ص58
6دراسة في فقه مقاصد الشريعة ص145:215
7تطبيق الشريعة في مجتمعات حرة
8المرجع السابق
9المرجع السابق
10الاجتهاد المقاصدي ص92:94
11المرجع السابق ص94:110

12المرجع السابق ص110 :111

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق