الخميس، 12 يونيو 2014

تطور الظاهرة الدينية ...كما يراها العقاد



" الحقيقة الكبرى أكبر من أن تتجلى للناس كاملة في عصر واحد "

تطور الظاهرة الدينية
هناك نظرتان ،احداها ترى ان الانسان لم يعرف العقيدة على ما يعرفها عليه اليوم مرة واحدة ولكنها ترقت وتطورت في فترات وقرون متعاقبة ، فالأصل هو الوثنية ثم تطورت حتى وصلت الى التوحيد
والاخرى وهي المنسجمة مع العقيدة الاسلام ، ترى ان الأصل هو التوحيد وان الشرك والبدع والخرافات التي نشأت فيما بعد ، نشأت على ضفاف نهر التوحيد ، وهذا هو الذي يدافع عنه "أوتو" في كتابه فكرة المقدس
ويرى عباس محمود العقاد
ان الانسان ترقى في العقائد،ترقي موافق تماما لترقيه في العلوم

فكانت عقائد الانسان الأولى مساوية لحياته الأولى، وكذلك كانت علومه وصناعاته، فليست أوائل العلوم والصناعة بأرقى من أوائل الأديان والعبادات."1

ويرى ان الحقيقة الكبرى لم تتجل للناس مرة واحدة ويقول : “فالرجوع الى أصول الأديانفي عصور الجاهلية الاولى لايدل على بطلان التدين ، ولا على انها تبحث عن محال ، كل ما يدل عليه ان الحقيقة الكبرى أكبر من أن تتجلى للناس كاملة في عصر واحد "2
ويستعرض العقاد أراء الباحثين في تاريخ العقيدة ،ولا يرجح مذهب معين


1- النظرة الارواحية
بدء البشر دون دين ثم تقدير الاسلاف ، ثم تقديس الاسلاف ، ثم عبادة أرواحهم ،ثم ايمانا بروح كلي للكون ، ثم فكرة الألوهية 3

2- النظرية الطبيعية
أسماء الالهة أصلها اسماء لظواهر طبيعية
(شمس ،قمر،نجوم ...)الاديان الهندية
اذا أصل الدين ومنبعه هو التأمل والاندهاش من الظواهر الطبيعية وخصوصا من

ثم تحولت التعبيرات عن هذه الظواهر الى اعتقادات دينية

، بالتالي هذا حجب للظاهرة وليس كشف عنها ،واصل الدين عندهم حسي وليس غيبي
4
3- النظرة العاطفية
منبع التدين عاطفتان

أ
-الخوف من التدين ب- الطمع في الخلود
مفهوم الألوهية ابتكار انساني ،غايته تحقيق الخلاص وضمان الخلود

4- النظرة النفسية
رائد هذه النظرية سيجموند فرويد

الطفل يعتمد في طفولته على والده مما يجعله يعتقد في قدرة الوالد اللامحدودة ، وان الانسانية في في طفولتها اعتقدت في وجود اله قادر بسبب وجود حاجتها الى ذلك

فكما الطفل وهو عاجز اعتقد في قوة ابيه المطلقة كذلك الانسانية
(قبل الحضارة والقوة) اعتقدت في حاجاتها الاله
فالدين عند فرويد هو مرحلة طفولة من حياة البشر يجب تجاوزها بعد ان شبت 5
5- النظرية البراجماتية
الدين حاجة اجتماعية لحفظ النوع البشري وعيشه في تآخي وسلام

والفرد ان اتبع العقل المحض سيختار مصلحة الفردعلى حساب مصلحة الجماعه

فالدين حيلة نوعية ابتكارها الانسان ليقبل بمصلحة الاخرين فوق مصلحته

الدين صنعة اخلاقية بشرية 6


ويرد العقاد هنا بأن الضعف
الانسان لا يفسره نشأة للدين ،فالانسان ان تخلى عن الدين سيظل ضعيف ،فلانسان ضعيف بالدين وبدونه
والانبياء وهم حملة الدين ،هم اقوى الناس عزيمة واشدهم شكيمة ،فاذا كان الضعف حاجة للدين ،فلم كان الاقوياء هم المنادون بالدين

ولان فطرة الدين جزء من طبيعة الانسان وهي أقوى من اي مؤثر خارجي ولذلك تجد بين المتدين
(القوي و الضعيف )، (الغني ، والفقير)...الخ

ولكنه يقول

"جملة ما يقال فيها أننا لا نجد فرضًا منها يستوعب أسباب العقيدة كلها ويغنينا عن التطلع إلى غيره، ومسألة العقيدة أكبر من أن يحصرها تعليل واحد وأنها قد تتسع لجميع تلك التعليلات معًا ولا تزال مفتحة الأبواب لما يتجدد من البحوث والدراسات ... ويجوز على هذا أن تنبعث العقيدة عن أكثر الفروض المتقدمة لا عن فرض واحد، فنحن لا نهمل سببًا يخطر على البال"
ويطررح فكرة تطور الاديان من 1- التعدد ،2- التمييز والترجيح ،3-الوحدانية 7
فيقول عن عبادة الشمس هي أرقى مرحلة توصل إليها العقل البشري، وأنها هي المرحلة السابقة لمرحلة التوحيد مستدلًا بقصة إبراهيم فيقول
:
"
وهذه الطبقة من طبقات العبادة هي أرقى ما بلغته الإنسانية في أطوارها المتوالية واستعدت بعده للإيمان بإله واحد لجميع الأكوان والمخلوقات.. فديانة الشمس كانت الخطوة السابقة لخطوة التوحيد الصحيح لأنها أكبر ما تقع عليه العين وتعلل به الخليقة والحياة.. ولنا أن نقول إن ديانة الشمس كانت هي القنطرة الكبرى بين عدوة التعديد وعدوة التوحيد"8
وفي حين تختلف هذه الرؤية في الاسلام فتاريخ العقيدة كما يرويه القرآن ، هو أن الجيل الاول كان على التوحيد9 ثم حدث الزيغ والانحراف ، وكان اول انحراف حدث هو الغلو في تعظيم الصالحين ،ورفعهم الى مرتبة الالهة المعبودة 10 ،وحيث ان الله عز وجل كان يرسل الرسل ليبلغوا الناس برسالته ،
،فلم يكن الانسان يبحث عن الله عز وجل وحده عبر التأمل والتفكير فقط ،في حدود ما امتلكه من أدوات وبالتالي بدأ بالشرك ،بل ان العكس هو ما حدث حيث نزلت الرسالات نقية ثم دخل الشرك عليها

إلى ذلك كله فإن الكتب السماوية متفقة على أن الجماعة الإنسانية الأولى لم تترك وشأنها، تستلهم غرائزها وحدها بغير مرشد ومذكر، بل تعهدتها السماء بنور الوحي من أول يوم، فكان أبو البشر هو أول الأفذاذ الملهمين، وأول المؤمنين الموحدين، وأول المتضرعين الأوابين11

ولكن لا ينفي الاسلام حدوث تطور في الرسالات ، فتلقت البشرية رسالات تناسب مستوى نضجهم ومستوى استعدادهم
.ولكنه ليس كالتطور الذي يعتقده علماء الانثروبولوجيا وانما هو تطور من الجزئي الى الكلي ومن الظرفي الى الدائم ،
وفي الحديث الشريف :
إن " مثلي ومثل الأنبياء من قبلي ، كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله ، إلا موضع لبنة من زاوية ، فجعل الناس يطوفون به ، ويعجبون له ، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة ؟ قال : فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين " 12







المراجع :
1- موسوعة محمود العقاد الاسلامية – المجلد الاول "توحيد وأنبياء" -عباس محمود العقاد -بيروت -دار الكتاب العربي- ط1 ،1970
2-:سلسلة العقيدة في ضوء الكتاب والسنة : العقيدة في الله - عمر سليمان الأشقر – الاردن -دار النفائس -ط12 ،1999
3-دين الانسان"بحث في ماهية الدين ومنشأ الدافع الديني "- فراس السواح – دمشق-دار علاءالدين للنشر والتوزيع-ط4 ،2002
4-الدين "بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان "-الدكتور محمد عبد الله دراز -الكويت -دار القلم
1موسوعة العقاد 1/25
2المرجع السابق 1/25
3موسوعة العقاد 1/29 -دين الانسان ص213
4دين الانسان ص 314
5موسوعة العقاد 1/32
6موسوعة العقاد 1/34
7موسوعة العقاد 1/41
8موسوعة العقاد 1/43:52
9العقيدة في الله ص270
10المرجع السابق ص271
11الدين 108

123374 صحيح البخاري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق