الخميس، 12 يونيو 2014

مدرسة المتكلمين ومدرسة الفقهاء في علم أصول الفقه





يقول ابن خلدون في مقدمته عن علم أصول الفقه : كان أول من كتب فيه الشافعي رضي الله تعالى عنه. أملى فيه رسالته المشهورة، تكلم فيها في الأوامر والنواهي والبيان والخبر والنسخ وحكم العلة المنصوصة من القياس. ثم كتب فقهاء الحنفية فيه وحققوا تلك القواعد وأوسعوا القول فيها. وكتب المتكلمون أيضاً كذلك، إلا أن كتابة الفقهاء فيها أمس بالفقه وأليق بالفروع، لكثرة الأمثلة منها والشواهد، وبناء المسائل فيها على النكت الفقهية. والمتكلمون يجردون صور تلك المسائل عن الفقه، ويميلون إلى الاستدلال العقلي ما أمكن، لأنه غالب فنونهم ومقتضى طريقتهم، فكان لفقهاء الحنفية فيها اليد الطولى من الغوص على النكت الفقهية، والتقاط هذه القوانين من مسائل الفقه ما أمكن...”1 ص21-22

أولا: طريقة المتكلمين (الشافعية)
اهتمت بتحرير المسائل وتقرير القواعد ،ووضعالمقاييس مع الاستدلال العقلي ما أمكن ، مجردة للمسائل الأصولية عن الفروع الفقهية ، ومن غير نظر في ذلك إلى مذهب معين
.2
وقد انضم لهذه الطريقة من غير الشافعية ،المتكلمين والمعتزلة، والظاهرية،والمالكية والحنابلة. وسميت بطريقة الجمهور وانتشرت في أغلب الأمصار
ثانيا :طريقة الفقهاء(الحنيفية)
وهذه الطريقة سارت باتجاه التأثر بالفروع ،واثبات سلامة الاجتهاد فيها ،فهي تقرر القواعد الأصولية على مقتضى ما نقل من الفروع عن آئمتهم،مدعين إنها هي القواعد التي لاحظها أولئك الأئمة عندما فرعوا الفروع،فهي في واقعها أصول تأخر وجودها واستخراجها عن استنباط الفروع 3

عن المدرستين :
من حيث المنهج4:
منهج المتكلمين تجريدي يجعل القواعد الأصولية مقياس الاستنباط ومعياره
منهج الأحناف عملي تطبيقي، ينطلق من النظر في مسائل الأحكام واستخراج القواعد الأصولية لتكون مقررة لها
ولهذا فأصول المتكلمين قوانين للاستنباط وحاكمة عليه وموجهة له
أما الأحناف فإنها مقررة وليست حاكمة

......
أما الموضوعات التي ظهر الاختلاف فيها :5
أولا:الأخذ بمفهوم المخالفة اعتمده المتكلمون من كافة المذاهب بشروط المدونة في كتب علم أصول الفقه
وذهب الحنفية إلي عدم الاحتجاج به في النصوص الشرعية ،بل جعلوه من الاستدلالات الفاسدة

ثانيا : الحديث المرسل لا يحتج به إلا في حالات معينة عند المتكلمين
يذهب الحنيفية إلي الأخذ به ،ويرى بعضهم انه أقوى من المسند ويرجحه عليه عند التعارض
وأثره :
لقد ترتب عليه اختلاف في فروع كثيرة منها :
1-
نقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة
:ذهب الحنفية إلى أنها تنقض وضوءه،زيادة على بطلان صلاته واستدلوا على هذا بالحديث المرسل ،عن ان النبي صلى الله عليه وسلم امر رجل ضحك بالصلاة أن يعيد الوضوء والصلاة
2-
وجوب القضاء على من افسد صوم التطوع
:ذهب الحنفية الى وجبه
3-نقض الوضوء بلمس المرأة
4-من أمسك رجلا وقتله هل يعد شريكا في القتل 6

ثالثا:قبول خبر الواحد فيما تعم البلوى7
ذهب المتكلمون إلى قبوله والاحتجاج به إذا كان سنده صحيحا
وذهب الحسن الكرخي من متقدمي الحنفية،وجميع المتأخرين من الحنفية الى رده وعدم العمل به.أثر الخلاف هذه القاعدة :
1-الجهر بالبسملة في قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية
ذهب الشافعي إلى الجهر بها واحتج بحديث أنس بن مالك

وذهب الحنفية واحمد إلى أن يسر بها واحتجوا بأحاديث أخرى ، وردوا الحديث الذي احتج به الشافعي بانه خبر واحد فيما تعم به البلوى فلا يقبل

2-
رفع اليدين عند الركوع والرفع منه

ذهب الشافعي واحمد ومالك في المشهور عنه وجمهور من العلماء ،إلى أن المصلى يرفع يديه عند الركوع والرفع منه واحتجوا بحديث ابن عمر

وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى عدم رفع اليدين إلى عدم الرفع إلا عند تكبيرة الإحرام ،واحتجوا بحديثي ابن مسعود ، ولم يعملوا بحديث ابن عمر ،لأنه من باب ما تعم به البلوى

رابعا : في أحوال المطلق والمقيد:8
في أن يتحد الحكم في النصين ويختلف السبب الذي شرع لاجله الحكم
يحمل المطلق على المقيد عند المتكلمين في هذه الصورة ولا يحمل عند الحنيفية
وأثره
ومثال ذلك في آيات ،كفارة القتل الخطأ وفي كفارة الظهار من الزوجة
فيرى الحنيفية بعدم حمل المطلق على المقيد

فالمناسب للقتل الخطأ التشديد ،فقيد الرقبة بكونها مؤمنة حتى لا يجزىء غيرها

أما الظهار من الزوجة فالمناسب له التخفيف،فجعل التكفير بمطلق الرقبة ،ابقاء للحياة الزوجية
"

خامسا: أثر النهي على العبادات والمعاملات :9في فهم مقتضى النهي المتعلق بوصف ملازم وأثره في المنهي عنه عبادة أم معاملة
فيرى المتكلمين إن العقد أو الفعل باطل لا ينعقد سببا لما شرع له من أثار

أما الحنيفية فذهبوا انه فاسد لا باطل

وقد ترتب عليه نظريتين هامتين ذواتي أثار بعيدة في الفروع الفقية والعبادات والمعاملات بينهم وبين جمهور الفقهاء وهما "نظرية البطلان " و"نظرية الفساد"أن المنهي عنه أذأ كان بيعا مثلا ينتج أثارا لا أثر واحدا ، واشتمل على شرط أو وصف فاسد أو خلا من شرط صحة فان العقد يعتبر فاسدا لا باطلا عند الحنيفية ،إذ الخلل في وصف من أوصاف العقد لا في أصله حتى إذا امكن إزاله سبب الفساد انقلب العقد صحيحا ،بعد إن كان فاسدا مستحق الفسخ









المراجع
1-
مقدمة ابن خلدون
-المجلد الثالث،عبد الرحمن بن محمد بن خلدون،عن طبعة باريس 1858،بيروت،مكتبة لبنان ،1992
2- أبحاث حول أصول الفقه،تاريخه وتطوره ،الدكتور مصطفى سعيد الخن ،دار الكلم الطيب ،دمشق ،الطبعة الأولى ،2000م
3-المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي،الدكتور فتحي الدريني،الشركة المتحدة للتوزيع،دمشق ،الطبعة الأولى ،1985
4-اثر الاختلاف في قواعد أصولية في اختلاف الفقهاء، الدكتور مصطفى سعيد الخن ،مؤسسة الرسالة،بيروت،الطبعة الثالثة،1982
5-الفكر الأصولي ،دراسة تحليلية نقدية ، د.عبد الوهاب ابراهيم ابو سليمان ،جدة،دار الشرق،الطبعة الأولي 1983
1مقدمة بن خلدون ص21:22
2أبحاث حول أصول الفقه صـ285
3المرجع السابق صـ304
4الفكر الأصولي صـ457
5المرجع السابق صـ460:461
6أثر الاختلاف في القواعد الاصولية في القواعد الفقهية صـ403:409
7المرجع السابق صـ426:433
8المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي صـ648:689

9امرجع اسابق صـ 717:727   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق